إلى متى تترك قضايا الأمة الإسلامية المصيرية القائمة على أمر أقر القرآن الكريم على حتميته، واعترفت السنة المشرفة بقطعيته؟ إلى متى تترك غائبة عن الطرح السياسي حتى يعترف بها من يسمون بالكُتَّاب السياسيين؟ وإلى متى تظل مغيبة عند تفسير وتحليل سياسات الأعداء حتى يقر بها من يدعون بالمفكرين السياسيين؟
مثال الأمر الحتمي والقطعي الغائب المغيب: حتمية مؤامرة اليهود والنصارى على الإسلام، وقطعية كراهيتهم لقوة المسلمين وعزتهم ونفوذهم كما قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
وقولـه تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
وقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 89].
وسبب تغييب هؤلاء الكتاب، وأولئك المفكرين لهذه الحتمية، وتلك القطعية هو نظرتهم الظاهرية لعلمانية الغرب، وتحليلهم السطحي لكتابات الغربيين، وأخيراً اكتفاؤهم بالقشرة السطحية من كلمات ومحاضرات وندوات الغربيين.
صحيح أن قوانين الغرب تنص على فصل الدين عن السياسة، وبعض كتاباتهم وكلماتهم ومحاضراتهم تقول بوجوب الإخاء والمساواة والتعايش بين الشعوب، ومن الصحيح كذلك أن بعض منظمات الغرب تنص على ترك الشعوب بنفسها تحدد مصيرها، وتترك لتنال عزتها، وترفع الذل والظلم عنها، وتمنح حريتها السياسية والاقتصادية، فأخذ هؤلاء الكتاب وأولئك المفكرون السياسيون بالظاهر من هذه القوانين، واكتفوا بالقشرة السطحية من تلك الكتابات والكلمات والمحاضرات والندوات، فألغوا نظرية المؤامرة من طرحهم السياسي، وغيبوا الأمر الحتمي والقطعي في تحليلهم لسياسات الغرب.
فكانت النتيجة أن استُعمرت البلاد الإسلامية باسم الدعوة إلى المحبة بين الإسلام والغرب، واحتلُت المقدسات الإسلامية بمثل هذه الدعوة، وأُكلت خيرات المسلمين تحت شعار نبذ الكراهية بين المسلمين والغربيين.
ومن العجيب أن بعضهم إلى يومنا هذا ما زال غائباً عن هذه المؤامرات والدسائس، وما زال متمسكاً بالظاهر، وبالقشرة السطحية، ذل المسلمون وظلموا وشتتوا تحت مظلة التعايش بين الحضارات والتآخي بين الملل والتساوي بين الأعراق والجنسيات.
فهذه جناية سطحية هؤلاء الكتاب السياسيين على الأمة الإسلامية، وهذه جريمة التفسير الظاهري لدى أولئك المفكرين السياسيين، وهذه جريرة إلغاء الأمر الحتمي – المؤامرة اليهودية النصرانية على الإسلام وأهله. التي دل عليها القرآن دلالة صريحة – في طرحهم السياسي، وهذه جريرة تغييب الأمر القطعي -كراهية اليهود والنصارى لقوة المسلمين وعزتهم ونفوذهم التي وضحها الوحي- في تحليلهم السياسي لسياسة الغرب ووعوده.
وبالمناسبة هناك سياسي فلسطيني أحسن التعبير عن هذه الوعود الغربية بعد خمسين سنة من حسن الظن، وبعد خمسين سنة من الأخذ بالقشرة السطحية من وعود الغربيين تجاه القضية الفلسطينية، فقد سأله أحد الصحفيين عن الوعد الأمريكي البريطاني بقيام دولة فلسطينية؟
فأجاب إجابة عميقة، وحلل تحليلاً عميقاً لا تنقصه الخبرة، وتؤيده التجربة، حيث قال: “لا أعرف وعداً غربيًّا نفذ إلا وعد بلفور”.