من هم أهل السنة؟ محمد أبو الفتح

من المعلوم أن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس بإذنه من الظلمات إلى النور: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً” الأحزاب:45، فلم يمض إلى ربه حتى أكمل الله به الدين، ونزل قوله تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً” المائدة:3، ولم يلحق بالرفيق الأعلى حتى أوضح الله به السبيل، كما قال صلى الله عليه وسلم: “قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك” (صحيح الجامع 7818)، وبقي الأمر كذلك في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلى آخر خلافة عثمان حيث كان مقتله رضي الله عنه وأرضاه سببا في وقوع الفتنة والفرقة في الأمة، فلما انتقلت الخلافة إلى علي رضي الله عنه أطلت البدعة برأسها، فخرجت الخوارج المارقة، وتشيعت الشيعة الغالية، ثم بعد الخلافة الراشدة ظهرت الفرق تترى، وتشعبت ملل ونحل شتى.
فأهل السنة والجماعة هم الذين بقوا على ما كان عليه النبي  وأصحابه، “وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً”.
أهل السنة والجماعة هم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) رواه مسلم، فقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة” دليل على استمرارية هذه الطائفة من لدن الصحابة الكرام.
أهل السنة والجماعة هم الذين عمِلوا بوصية رسول الله صلى الله عليه التي وصَّى بها أمته في آخر حياته، قال العرباض بن سارية: “صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذَرَفَت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودِّع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة” الصحيحة 937، فأمرهم بالجماعة ونهاهم عن ضدها وهو الاختلاف، وأمرهم بالسنة ونهاهم عن ضدها وهي البدعة، فلذلك سموا أهل السنة والجماعة.
– قال الشيخ العثيمين: “أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلميَّة العقدية، ولا في الأمور العمليَّة الحكمية، ولهذا سمُّوا أهل السنة لأنهم متمسّكون بها، وسمُّوا أهل الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها”.
– فهم ملتزمون بالسنة ظاهرا وباطنا، في الأمور العلمية العقدية التي هي الأصول، وفي الأمور العملية الحكمية التي هي الفروع.
– فأما الأمور العملية الفقهية فإن الأمر فيها واسع وللخلاف فيها مجال، وقد يوجد من بعض أهل السنة مخالفة للسنة فيها، لكنه مع ذلك لا يبدع لأن أهل السنة لا يخالفون السنة إلا ولهم عذر في ذلك، كعدم بلوغ النص، أو بلوغه من طريق ضعيف عنده، أو ربما صح عنده لكنه يتأول معناه، أو عارضه عنده معارض أقوى منه، وغير ذلك من الأسباب التي تجدها مفصلة في كتاب “رفع الملام عن الأئمة الأعلام” لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
– وأما الأمور العقدية الكبرى فإنهم لا يعذرون مَن خالفهم فيها لأنها أمور قطعية معلومة مِن الدين بالضرورة، دلت عليها نصوص قطعية الثُبوت قطعية الدلالة من الكتاب والسنة وإجماع السلف.
– وقد ألفوا في بيان عقيدة أهل السنة مؤلفات كثيرة منها: كتاب السنة للإمام أحمد، و السنة لابنه عبد الله، وللخلال، ولابن أبي عاصم وغيرهم، ومنها كتاب الإيمان لابن منده ولابن أبي شيبة وأبي عبيد، وكتاب التوحيد لابن خزيمة، والشريعة للآجري، والإبانة لابن بطة، والحجة في بيان المحجة لقوام السنة، ومن المختصرات شرح السنة للبربهاري الحنبلي، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام الحنبلي، والعقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي الحنفي، ومقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي، وأصول السنة لابن أبي زمنين المالكي، وغيرها.
فهذه هي كتب أهل السنة فمن وافقها فهو من أهل السنة ومن خالفها فليس هو من أهل السنة، فعليك بها –أخي القارئ- إن كنت تريد أن تلقى الله على السنة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *