المعهد الديمقراطي الأمريكي بالمغرب.. لمصلحة من يشتغل؟

لا يختلف اثنان أن الولايات المتحدة الأمريكية تبسط هيمنتها على دول كثيرة تمثل غالبيتها الدول الإسلامية، حيث لم تعد تستحيي من التدخلات السافرة المنتهكة لسيادة الحكومات على بلدانها، ولعل أبرزها تجلى في غزو أفغانستان واحتلال العراق، حيث استعرضت خلالهما قوتها السياسية والعسكرية الشيء الذي جعل أكثر البلدان الإسلامية تعنتا تخضع تدريجيا لإملاءاتها، أو على الأقل تحترم مصالحها في كل المناطق التي يفترض أن لها فيها مصالح، وما أكثرها.

إلا أن مصادر القوة التي ترتكز عليها الولايات المتحدة في إخضاع الدول لا تنحصر في الجانب العسكري وما تعلق به من صناعة للأسلحة وتطوير لأساليب خوض الحروب، لكن تبقى أهم مصادر قوتها على الهيمنة في قدرتها على استشراف المستقبل من خلال دراسة خبرائها للمجتمعات المستهدفة من قِبَلها، واستطاعتها صناعة النخب أو اختراقها والتنسيق معها، وذلك من خلال مراكز الدراسة والمعاهد والمنظمات، ولعل من أبرزها المعهد الديمقراطي الأمريكي والمرتبط بشكل مباشر مع إدارة البيت الأبيض، والذي ينشط في المغرب من خلال أحد فروعه التي تغطي معظم العالم العربي.
– فما هي برامج هذا المعهد؟
– وهل وجود مثل هذه المؤسسات يخدم مصلحة المغرب؟
– وهل يخضع هذا المعهد وغيره من المنظمات الأجنبية للمراقبة الصارمة؟

المعهد الديمقراطي والمصالح الأمريكية
انطلق هذا المعهد في عهد الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان”، ويتولى تمويل مشاريع عدة في البلدان العربية والإسلامية، وقد أنشئ كأداة من أدوات الحرب الباردة التي كانت تخوض صراع الأفكار والإيديولوجيات.
فمنذ عهد “جيمي كارتر” اتضح للإدارة الأمريكية أن صراع الأفكار في سياسات أمريكا الخارجية لا يقل أهمية عن قوة الجيش الأمريكي، مما جعلها تتبنى تمويل وتأسيس منظمات ومعاهد شكلت فيما بعد الأدوات التنفيذية لحرب أمريكا الإيديولوجية، أما المعهد موضوع المقال والمعروف اختصاراً بـNED فكان تأسيسه بعد المبادرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق “رونالد ريغان” لدعم الديمقراطية والصحافة الحرة والأحزاب التي ترى أمريكا أنها تخدم مصالحها.
والمعهد مؤسسة تمول بالمال العام الأمريكي قصد تنفيذ برامج الإدارة الأمريكية في بسط هيمنتها على العالم، وترأسه حاليا وزيرة الخارجية السابقة “مادلين أولبرايت”.
إذن فتمويل المعهد الديمقراطي الأمريكي لبعض الجمعيات التي تعنى بالشأن العام في الدول العربية والإسلامية، وتنسيقه مع الأحزاب السياسية فيها، لن يخدم في أي حال من الأحوال مصلحة الدول العربية التي يتواجد فيها، وذلك لكونه مجرد أداة تنفيذية للسياسة الخارجية الأمريكية والتي تجعل من أولوياتها تقوية اقتصادها وحماية أمن الكيان الصهيوني على حساب اقتصاد وأمن الدول الإسلامية.
فاختراق الدول الغربية للدول الإسلامية من خلال سفاراتها والمعاهد والمنظمات التي تعمل لحسابها صار مكشوفا لكل ذي عينين رغم تسترها وراء دعم الديمقراطية ومساعدة الأحزاب في الرفع من مستوى أدائها السياسي.
ويشهد لذلك ما جرى للمعارضة العراقية التي تم اختراقها من طرف الأمريكيين ليستعملوها ورقة رابحة في غزوهم لبلاد لرافدين، وبالفعل دخلت المعارضة “وديمقراطيتها” على دبابات أمريكية فماذا حصل للعراقيين؟
لقد لعبت المراكز والمعاهد المشابهة للمعهد الديمقراطي الأمريكي بواسطة خبرائها دورا أساسيا في غزو العراق حيث عملت على تجميع كل المعارضين للنظام العراقي في الخارج والتنسيق معهم مستغلين حماسهم للسلطة موهمين إياهم أن مصلحة الأمريكيين والعراقيين الديمقراطيين واحدة تتمثل في إسقاط نظام الاستبداد وبناء نظام ديمقراطي يعيش فيه العراقيون في ظل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.

إن العراقيين كانوا في ظل استبداد صدام حسين رحمه الله تعالى، ينعمون بالقوة والمنعة والرفاهية، حيث كان الجيش العراقي من أقوى الجيوش العربية، وكان نظام التعليم العراقي من أجود النظم التعليمية، أما البحث العلمي فقد سجلت الميزانية المخصصة له في عهد صدام أعلى نسبة عرفتها الدول العربية قاطبة حيث أصبح يعرف ببلاد الكفاءات، فصار العراق بعد حلول الديمقراطية الأمريكية المحروسة بالدبابات والصواريخ، دمارا وخرابا وقتلا وخوفا وهتكا للأعراض، واغتيالا للكفاءات والأطر من أطباء وأساتذة الجامعات والباحثين في كل التخصصات.
فهل أهداف المعهد الديمقراطي في المغرب ستختلف عن تلك التي سبق وأن حققتها المعاهد الأمريكية التي تسوِّق للديمقراطية في العراق؟
أم أن أمريكا العراق وأفغانستان تختلف عن أمريكا المغرب؟

ماذا يصنع المعهد الأمريكي في المغرب؟
قبيل حملة انتخابات شتنبر 2007 استطاع أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إقناع الحكومة المغربية بجدوى المشاركة الأجنبية في رصد العملية الانتخابية. وبالفعل تمت مشاركة منظمات أجنبية أمريكية وأوروبية في مراقبة الانتخابات كان من أهمها المعهد الديمقراطي الأمريكي والذي قدم دعما ماديا و”لوجستيا” للجمعيات المغربية التي قام بالتنسيق معها خلال مدة الانتخابات.
منذ ذلك الحين كثَّف المعهد من أنشطته في المغرب وذلك قصد تكوين شبكة من الاتصالات والعلاقات مع الفاعلين السياسيين وجمع ما أمكنه من معلومات حول مكونات المجتمع المغربي حتى يضمن لنفسه إمكانية التأثير في المجال السياسي والإعلامي في البلاد.
وكان آخر أنشطته الهامة على المستوى السياسي تنظيمه صباح يوم الثلاثاء 15-07-2008 بالرباط، ندوة حول «دور اللجن الشبابية داخل الأحزاب السياسية»، وهو النشاط الذي يأتي في إطار دعم المعهد الأمريكي للأحزاب المغربية في أفق الانتخابات المحلية 2009، وذلك في جلسة مغلقة، أقصيت منها وسائل الإعلام، وكان ممثلو الصحافة الوطنية قد استمعوا إلى كلمة “جيرارد لاتوليب” مدير فرع المعهد الديمقراطي للشؤون الدولية بالمغرب، التي استغرقت خمس دقائق قبل أن يطلب منهم مغادرة القاعة لإفساح المجال أمام المناقشات.
الندوة شارك فيها ممثلو شبيبات أربعة أحزاب، هي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، إضافة إلى حضور ممثلين عن حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب العهد والحزب الاشتراكي الموحد. انظر المساء عدد 568.
ومما يدل على أن المعهد في المغرب ينفذ سياسة الإدارة الأمريكية حصوله على منحة من الوكالة الأمريكية للتنمية من أجل إعداد برنامج لتقوية الأحزاب السياسية في المغرب، سيستغرق إنجازه 16 شهرا ويهدف إلى توفير المساعدة التقنية للأحزاب ومساعدتها على الإعداد للانتخابات الجماعية لسنة 2009، كما سينكب على عدد من القضايا منها بنيات الأحزاب السياسية والتواصل الداخلي والخارجي واللجان الشبابية للأحزاب وتكوين المدربين.
فهل لنا أن نتساءل؟
بأي حق يسمح لهذا المعهد في التغلغل وسط الجسم السياسي المغربي الموبوء أصلا؟
وهل يمكن اعتبار وجود مثل هذه المؤسسة خادما لأمن واستقرار المغرب إذا ما تعارضت مصالحه مع أطماع أمريكا غير المحدودة في المنطقة؟ خصوصا وأن طبيعة أنشطته وإمكاناته تخول له إنشاء شبكة من العلاقات مع كل مكونات النخبة في المغرب.
ثم لصالح من يتم تغيير مجموعة من القناعات مثل الاهتمام بتحقيق المصالح الوطنية على حساب قضايا الأمة كاحتلال فلسطين والقدس والعراق والصومال..؟
أجوبة التاريخ الحديث
إن التاريخ الحديث للدول الإسلامية يخبرنا أن الاحتلال الغربي دائما يقتحم بلداننا حاملا سلاحه في يده اليمنى بينما يلوح بإعلانات حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية بيده الشمال وكلتا يديه شمال.
لقد فرضت الدول الأوربية على السلطان عبد الحميد مبادئ الديمقراطية كما تراها وذلك من خلال دعمها لحزب الاتحاد والترقي ماديا ولوجستيكيا حيث كان أعضاؤه يجتمعون سريا في مقرات قنصليات الدول الأجنبية التي عملت دون كلل على إسقاط الخلافة الإسلامية، وبالفعل شعر السلطان عبد الحميد بالمؤامرة فأغلق البرلمان العثماني الذي لم يعمر أكثر من أحد عشر شهرا، وظل مقفلا لمدة ثلاثين سنة وفي سنة 1907 أعاد الماسون فتحه، فما لبثوا غير قليل حتى استصدروا قرارا بعزل السلطان ليهيئوا الظروف لإسقاط الخلافة وكذلك كان حيث لم يمر على فتح البرلمان عقدان من الزمن حتى صدر قرار بإلغاء الخلافة الإسلامية والعمل بالشريعة الإسلامية وتبني العَلمانية نظاما للحكم.
ألم يدع الأمريكيون أنهم احتلوا العراق كي يحاربوا الاستبداد ويرسوا النظام الديمقراطي؟
ألا ينعت الغرب الكيان الصهيوني بأنه دولة ديمقراطي بينما تنعت المقاومة الشرعية بالإرهاب؟
ألم تصدر الأمم المتحدة الحامية لحقوق الإنسان أولى قراراتها بالاعتراف بالكيان الصهيوني بعد ضغط أمريكي قوي؟
وبعد هذا كله مطلوب منا أن نحسن الظن بالأمريكيين ونصدقهم عندما يقولون لنا: إننا ننفق أموالنا ونتعب خبراءهم لإعادة تشكيل وترتيب المشهد السياسي المغربي وذلك لتقوية الأحزاب السياسية في المغرب ليعيش المغاربة في ظل نعيم الديمقراطية.
فبالله، ما لنا لا نكاد نفقه للتاريخ درسا ولا للقرآن والسنة هديا؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *