من الأخطاء الشائعة في اللغة العربية أبو المساكين عبد المجيد آيت عبو

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد شاعت كثير من الألفاظ والعبارات التي شذَّت عن منقول اللغة العربية، فأُنزِلت في غير منازلها، واستعملت في غير معناها، فجاءت بها العبارة مُشَوَّهة، وذهَبَت بِما فيها من الرونق والسبك، فضلاً عما يترتب على ذلك من انتشار الوهم والخطأ، ولا سيما إذا وقع في كلام من يوثق به، فتتناوله الأقلام بغير بحث ولا نكير. ولا يخفى أن الغلط في اللغة أقبحُ من اللحن في الإعراب، وأبعدُ عن مظَانِّ التصحيح، لرجوعها إلى النقل دون القياس، فيكون الغلط فيها أسرعَ تَفَشِّيا وأشَدَّ استدراجا للسقوط في دَرَكَات الوهم.

ولم يزل علماء اللغة معتنين بهذا الموضوع، باذلين جهدهم في تنظيف الكلام العربي من الألفاظ الدخيلة والتعابير الثقيلة، أداء لواجب لغة الضاد، وصونا لجمالها من الفساد، وقد ألف في ذلك الإمام الحريري كتابا نفيسا سماه: (درة الغَوَّاص في أوهام الخواص)، وألف الشهاب الخفاجي كتاب: (شفاء العليل في العَامِّي والمولد والدخيل). ومن مؤلفات الْمُحْدَثِين كتاب: (لغة الجرائد)، لإبراهيم اليازجي، و(تذكرة الكاتب) لأسعد داغر، و(تقويم اللسانين) لتقي الدين الهلالي، و(معجم الأخطاء الشائعة)، و(معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة) كلاهما لمحمد العدناني، و(أغلاط اللغويين الأقدمين) للكرملي، و(الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجر) لمحمود عمار، و(معجم الخطأ والصواب في اللغة) لإِمِيل يعقوب، وغيرها.
والخطأ اللغوي مع شيوعه وتفشيه يظل خطأً لخروجه عن المألوف من الناحية اللغوية.
ولا يتوهمن أحد أن الوصول إلى إصلاح ما شاع من تلك الأخطاء يقضي باستيعاب مواد اللغة كلها حتى يكون الجميع لغويين، ولكن لو اسْتَثْبَتَ أحدُنا صحةَ كلمة واحدة في اليوم، لم يأت عليه إلا زمن قليل حتى يُخَلِّص كلامه من أكثر تلك العيوب.
وسأذكر للقارئ في هذه العجالة بعض النماذج من تلك الأخطاء، عسى الله أن ينفعني وينفَعَهُ بِها، واللهَ نسأل أن يورِدَنَا جميعا مَوارِدَ الصواب بفضله ومَنِّه.
فمن ذلك قولهم في جمع ميناء: “موانئ”، والصواب: “مواني” من غير همز، وهي من الفعل: وَنَى يَنِي: ومعناه: السير ببطء وضعف.
ويقولون في جمع موضوع: “مَوَاضِيع”، والصواب: مَوضُوعَات. وفي جمع مُشْكِل، ومشكِلَة: “مَشَاكل”، والصواب: “مُشْكِلاَت”، يقال: أمر مُشْكِل، وقضية مُشْكِلَة والجمع: مُشْكلات.
ويقولون: “الـمُلفِتَة للنظر، ويُلْفِت نظرَه”، والصواب: “اللاَّفِتَة للنظر، وهي من الفعل الثلاثي: لَفَتَ، واسم الفاعل: لاَفِت، ومضارعه يَلْفِتُ بفتح حرف المضارعة، ولا يضم حرف المضارعة إلا في الرباعي.
ويقولون: “كتاب شَيِّق”، والصواب: “شَائِق”.
ويقولون: “تَمَّ هذا الأمر بِوَاسِطَة كذا”، والصواب: “بِوَسَاطَةِ كَذَا”، والمعنى: بوسيلة كذا، وأما وَاسِطَة، فهي الشيء يقع وسطا بين شيئين، كوَاسِطَة العِقْد.
ويقولون: “سَبَقَ وَأَن قُلت، لاَ سِيَّمَا وَأَنَّه جَاد، خَاصَّةً وَأَنَّهُ مقيم”، فيقحمون الواو في هذه العبارات، والصواب حذفها، فيقال: “سَبَقَ أَن قُلت، لاَ سِيَّمَا أَنَّه جَاد، خَاصَّةً أَنَّهُ مقيم”.
ويقولون: “وَبِالتَّالِي”، والصواب أن يقال: “وَمِنْ ثَمَّ، وعَلَيْهِ، وبِنَاءً عَلَى هَذَا”، ونحوها.
ويقولون: “أطرَقَ بُرْهَةً يُفَكِّرُ في الأمر”، يعنون: هُنَيْهَة من الزمان، وإنما البرهة: الزمن الطويل، واستعمالها للزمن القصير من الأوهام.
ويقولون: “فُلاَن من الفَطَاحِل”، أي من كبار العلماء، واستعمال هذه اللفظة بهذا المعنى من مواضعات العامة، ولا شيء منها في كتب اللغة.
ويقولون: “فلانٌ حَمِيدُ النَّوَايَا”، يريدون: النِّيات جَمع نِيَّة، وإنما النوايا جمع: نَوِيَّة، مثل الطَّوَايا جَمع طَوِيَّة، ولم تَرِد النَّوِية في شيء من كلامهم بهذا المعنى.
ويقولون: “هو وَرِيثُ فلان، ووَرِيثُ العَهْد”، ولم ينقل عنهم لفظ: الوريث، ولكن الصواب: الوَارِثُ، والجمع: الوَرَثَةُ، والوُرَّاث.
ويقولون: “حَافَّةُ الوَادِي، وحَافَّةُ الطَّرِيق” بتشديد الفاء، والصواب: “حَافَة”، بالتخفيف، وجمعها: حَافَات، وتجمع أيضا على: حِيف، مثل: غَادَة، وغِيد.
ويقولون: “أَنْعِم بفلان من رجل”، أي: نِعْمَ الرجل هو، فيأتون به على صيغة (أفعل) مثل: أَكْرِم به، ومنهم من يجمع بينهما فيقول: “أَنْعِم بِه وَأَكْرِم”، وهي من العبارات الشائعة، ومعلوم أن “أَنْعِم به” صيغة تعجب، فهو بمعنى: مَا أَنْعَمَه! كما أن: “أَكْرِمْ بِه” بمعنى: مَا أَكْرَمَه! وحينئذ فاشتقاقه من النعومة أو النعمة، لا من نِعْمَ التي هي فعل مدح، لأن هذه من الأفعال الجامدة التي لا تُبْنَى منها صيغة التعجب.
ويقولون: “فعلت هذا لِصَالِحِ فُلاَن” أي لمصلحته ومنفعته، “وَهَذا الأمر من صَالِحِي”، ولم يأت الصالح في شيء من اللغة بهذا المعنى.
ويقولون: “احْتَارَ في الأَمْر” من الحيرة، ولم يُسْمَع افْتَعَلَ من هذا، وإنما يقال: حَارَ يَحَار، فهو حَائِر وحَيْرَان، وحَيَّرْتُه فَتَحَيَّر.
ويقولون: “بَيْنَهُمَا شَرَاكَة”، على وزن فَعَالَة، والصواب: “شَرِكَة” بفتح فكسر، و”شِرْكَة” بكسر فسكون.
ويقولون: “أَفْرَغَ المكَان، وأَفرَغَ الوِعَاء” بصيغة: أَفْعَل، أي: أخلاه، والصواب أن يقال: فَرَّغَه بالتشديد، وأما أفرغ: فمعناه: صَبَّ، يقال: أَفْرَغَ الْمَاءَ ونحوه.
ويقولون: “رَضَخَ لَه” أي: أَذْعَنَ وانْقَادَ، ولم يَرِد رَضَخَ في شيء من هذا المعنى، وإنما الرَّضْخُ كَسْر الشيء اليابس، يقال: رَضَخَ الْجَوْزَةَ، وَرَضَخَ رَأْسَ الْحَيَّةِ. ويقال: رَضَخَ له من ماله إذا أَعطَاه عطاءً يَسيراً.
ويقولون: “بَعَثَ بِرَسُولٍ إِلَى فُلاَن، وبَعَثَ إِلَيه هَدِيَّةً”، والصواب أن يقال: “بَعَثَ رَسُولاً، وبَعَث بِهَدِيَّةٍ”، لأن ما يَنْبَعِثُ بنفسه كَالرَّسول تقول فيه: بَعَثْتُهُ، وما ينبعث بغيره كالهدية والكِتَاب تقول فيه: بَعَثْتُ بِهِ، وفي القرآن: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ}، فالأول يتعدى بنفسه، والثاني بالباء.
ويقولون: “ثَوْبٌ سَمِيك”، أي: صفيق، ومصدره عندهم: السُّمْكُ، والسَّمَاكَة، وليس ذلك من اللغة في شيء، وإنما السُّمْكُ في اللغة معناه الارتفاع، يقال: بنى جدارا سمكه كذا ذراعا، وهو من أعلاه إلى أسفله، وشيءٌ سَامِك، أي عَالٍ طَوِيل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *