قال تعالى: “ِمنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً” الأحزاب.
هذه الآية جمعت صفات ومواصفات أهل الثبات على الحق الذين لا يهمهم إلا مرضاة ربهم فلا تحركهم العبارة ولا الإشارة إلا إذا صدرت عن شرع الله ووحيه.
والمتأمل فيها يقف عند مؤهلات أهل الاستقامة والثبات على الحق فهم:
1ـ مؤمنون: أي صادقون في إيمانهم ليسوا مذبذبين كما قال تعالى في وصف المنافقين: “مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاءِ”، لا يعرف لهم وجه ولا حال كالشاة العائرة تعير تارة إلى هذا القطيع، وتارة إلى ذاك، فالمؤمن الحق لا يعرف التلون ولا تبدل وتغيير المواقف حسب المصلحة تارة، وحسب الكفة الراجحة تارة أخرى في زمن اختلط فيه الحق بالباطل واتبع الناس فيه كل ناعق، فالحق أبلج والباطل لجلج، والأمر يحتاج إلى توفيق الله وعنايته وتسديده، وهذا لا ينال بالأماني.
2ـ رجال: أي أهل عزيمة وقوامة فهم عند كلماتهم ومواقفهم، فالرجال هم الذين يثبتون على مواقفهم -التي ينصرون بها الحق- ثبوتا أشبه ما يكون بثبوت الجبال الرواسي، ولقد أثنى الله على الرجولة في كتابه وسنة رسوله.
3ـ صدقوا وأوفوا بعهدهم: فقد عاهدوا ربهم سبحانه على الثبات حتى ينالوا النصر والشهادة، وهكذا أهل العلم يثبتون في ميدان العلم والدعوة، فلا يتنازلون عن عقيدتهم وإيمانهم ومواقفهم الجهادية مهما طال عليهم الأمد وكثر الخصوم وقل الأنصار.
4ـ أنهم أهل صبر وثبات، فالواحد منهم لم يقض نحبه بعد: أي: لم يلق الله شهيدا، شهيد ميدان العلم أو الأرض، فهو ثابت على وعده، ثابت على الوفاء بنذره دون أدنى تبديل أو تغيير مهما عصفت به رياح الفتن، فكيف يتهم من ثبت على ثوابت السلف الصالح ولم يبدل تبديل نوابت الخلف الطالح بالفرار!؟ ويتهم بأنه على غير الحق، ولم يتزحزح يوما عن الحق الذي قرره الله في كتابه وعلى لسان نبيه، ودرج عليه السلف وعلماؤهم وأئمتهم قديما وحديثا، رغم الإغراءات المادية والمصالح الدنيوية!! انظر مجلة الأصالة العدد : 34.