في الوقت الذي تعلق الميدالية الذهبية للمغرب بسبب إحرازه قصب السبق في مسابقة الحريات بفتحه أبوابها على مصارعها؛ حتى وسعت دعاة الإباحية والإلحاد بكل أريحية وانبساط؛ فسُب الله تعالى على صفحات مجلة نيشان والجريدة الأولى، واحتضنت في كنفها الشاذ عبد الله الضايع، وللمتحول جنسيا (نور الدين) وأمثالهما ليستعرضوا عضلات مجونهم على المغاربة عبر الصحف والمجلات، ومنحت الرخص للخمارات والمراقص الماجنة!
وفي الوقت الذي تتعالى الأصوات لنبذ ثقافة الكراهية والاستئصال، ومد جسور الحوار والتلاقح وتبادل الأفكار مع كل الأطياف والمذاهب بما فيها: الملحدة والمشركة!
وفي الوقت الذي يفسح فيه المجال الرحب الواسع للفكر الاستغرابي الذي يصدر إلينا -معفى من الضرائب الجمركية- عبر الجمعيات والمنظمات النسائية العلمانية التي تجهر بالمطالبة بما يزعزع الأمن الروحي ويهدد ثوابت البلاد!
في هذا الوقت طلع علينا السيد شكيب بنموسى بجواب عجيب جدا عن سؤال حول سبب إغلاق دور القرآن.
فسوغ الإغلاق بهذه العبارات:
“وفيما يتعلق بمحمد بن عبد الرحمن المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة فإن السلطات الإدارية المحلية قامت بإغلاق دار القرآن التابعة للجمعية المذكورة، كما قامت بإغلاق 33 دار أخرى للقرآن، تبين سواء من خلال مسيريها أو من خلال المناهج التي تعتمدها في برامجها التربوية والتعليمية أن لها علاقة بالمعني بالأمر، وكما هو معروف فإن هذا الأخير شخص لا يتحرك بمفرده، بل له عدة ارتباطات شخصية وجمعوية تتعدى ما يقوم به في إطار الجمعية التي يترأسها بحيث استطاع نسج روابط تولد عنها عدة جمعيات أسسها أتباعه الذين يسهرون على ترتيل -كذا قال- تصوراته وأفكاره على أرض الواقع”.
فهل العلاقة بـ(الدكتور المغراوي) تهمة توجب القمع والمصادرة؟!
وما ذنبه الذي لم يغفر؟!
وما هي زلته التي لم تكفر؟!
هل هدد أمن البلاد والعباد؟
هل طعن في الثوابت من إسلام وملكية أودعا إلى العنف والإرهاب؟
هب أن فتواه المزعومة دعوة إلى الإضرار بالقاصرات، أو أن فيها مخالفة لمدونة الأسرة؟
أليس من المعقول والمطلوب في دولة الحوار أن يناقش ويدعى إلى التراجع؟
فإن أبى عومل بمفرده دون أن تلزم الجمعيات القرآنية بخطئه.
أليس هذا هو العدل والإنصاف؟
لماذا يفتح باب المصالحة والإنصاف مع كل الأفكار، ويغلق في وجه فكر الدكتور المغراوي مع أن هذا الفكر قابل للنقاش والتحاور، ولا يخشى منه على أمن البلاد واستقرارها؟
وما معنى قول السيد الوزير: ” شخص لا يتحرك بمفرده، بل له عدة ارتباطات شخصية وجمعوية”؟
من ذا الذي ليست له ارتباطات شخصية وجمعوية؟!!!
وما معنى قوله: “استطاع نسج روابط تولد عنها عدة جمعيات أسسها أتباعه الذين يسهرون على ترتيل تصوراته وأفكاره على أرض الواقع”.
أين هم هؤلاء المزعومون؟ وإذا كانوا موجودين؛ فما هو خطر فكرهم؟ بل ما هو الجديد فيه؟
أليس هو الفكر السلفي الذي تنور به المغرب منذ تشرف بالفتح الإسلامي، وحملت رايته دولة الأدارسة، وجددته دولة المرابطين، ثم دولة العلويين ممثلة في السلاطين: سيدي محمد بن عبد الله، ومولاي سليمان بن محمد، ومولاي عبد الحفيظ بن يوسف، وغيرهم.
أليس هذا هو الفكر الذي وضع نواة مقاوة المحتل وأخرجه خاسئا وهو حسير على ما فاته مما حاول استدراكه بعملاء مأجورين؟
ألم يشهد بهذه الحقيقة غير واحد من الوطنيين الأحرار المتابعين لتلك الحقائق؛ من أمثال: الأستاذ علال الفاسي رحمه الله، والأستاذ عبد الهادي بوطالب وغيرهما كثير؟
ألم يكن أبو شعيب الدكالي وزيرا للعدل في عهد الملك محمد الخامس رحمه الله؟
ألم يكن تلميذه الشيخ السلفي محمد بن العربي العلوي أستاذ الملك الحسن الثاني، والمستشار الأمين والمحبوب للملك محمد الخامس، الباعث الأول لحركة دحض المستعمر؟
أليس هذا الشيخ الوطني هو من دعا تلميذه الهلالي إلى نبذ التيجانية والتزام السلفية، وهو ما دعا إليه الهلالي بدوره الشيخ المغراوي؟
ألا ترى يا سعادة الوزير أن الطعن على الدكتور المغراوي يمثل طعنا في أولئك الأعلام الشرفاء الذين لا يقبل مغربي صادق المس بكرامتهم؟
كيف نصادر فكرا تلك أصوله وجذوره، بينما نغض الطرف عن الفكر الشيعي والهندوسي الوثني؟
إن مصادرة فكر الدكتور المغراوي يمثل انقلابا على فكر أصيل إصلاحي وطني، وإذا أردنا إثبات خلاف هذا؛ فعلينا دعوة الدكتور إلى حوار علني يعرض فيه فكره ويناقشه العلماء على الملأ، ليعلم هل في ذلك الفكر بدعة أو ضلالة أو فتنة؟ أم أنه فكر أصيل متجذر في بلدنا، ما نُقم منه إلا أنه لم ترض عنه جهات الله أعلم بما تخططه اهذه البلاد الأمينة!!
هذا هو الواجب، أما القمع والاستئصال وكيْل التهم المجانية كما فعلت صحف الفكر العلماني؛ فذاك سلاح الجبان ومنطق المهزوم..
وإن تعجب فعجب أن صار للهندوس الحق الكامل في ممارسة شعائرهم الوثنية -حسبما أشادت به الخارجية الأمريكية من خلال تقريرها السنوي 2008 بخصوص التسامح الديني بالمغرب-، في حين لا تجد الجمعيات القرآنية في ظل الحريات نفسها التي وسعت الدخيلين على مذهب البلاد ودينها الحق في أن تدرس كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها تشكل امتدادا لفكر الدكتور المغراوي، رغم أن هذا الأخير ما فتئ يصرح بانعدام الصلة بين جمعيته وعشرات الجمعيات التي أغلقت تعسفا.