ترجمة موجزة لإمام دار الهجرة مالك بن أنس

هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث الأصبحي، نسبة إلى أصبح وهو من حمير بن سبأ، وذو أصبح الذي ينتمي إليه مالك كان من قادة اليمن وملوكهم يتصل نسبه بقحطان(1)، انظر ترتيب المدارك1/105، والتمهيد 1/90.

مولده
قال الذهبي رحمه الله: “مولد مالك على الأصح في سنة ثلاث وتسعين عام موت أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشأ في صون ورفاهية وتجمل” السير 8/49.

صفته
عن مطرف بن عبد الله قال: “كان مالك بن أنس طويلا عظيم الهامة، أصلع أبيض الرأس واللحية، شديدة البياض إلى الشقرة” صفة الصفوة 2/177.
وعن عيسى بن عمر المدني قال: “ما رأيت بياضا قط ولا حمرة أحسن من وجه مالك، ولا أشد بياض ثوب من مالك” السير 8/62.
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: “ما رأيت أهيب من مالك، ولا أتم عقلا ولا أشد تقوى” تاريخ الإسلام 11/323.

ابتداء طلبه للعلم
قال الذهبي رحمه الله: “وطلب مالك العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيى وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حَيٌّ شاب طريّ، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد وإلى أن مات” سير أعلام النبلاء.

وصية أمه له
كانت أمه ترسله إلى حلقة العلم بعدما توصيه وصيتها التي تدل على رجاحة عقلها وحسن إدراكها لمغزى ما توجه إليه إبنها.
فاسمع ما تقول لابنها وهي تعممه لترسله إلى مجلس الشيخ: “قال مالك رحمه الله: كانت أمي تعممني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه” التمهيد 3/4، ترتيب المدارك 1/130.
وفي هذا دلالة على أنه بدأ طلب العلم في سن مبكرة، وقد أشار إلى ذلك أحد معارفه بقوله: “رأيت مالكا في حلقة ربيعة وفي أذنه شنف” ترتيب المدارك 1/133.
قال القاضي عياض: “وهذا يدل على ملازمته الطلب من صغره” ترتيب المدارك 1/133.

ثناء العلماء عليه
قال الشافعي رحمه الله: “إذا ذكر العلماء فمالك النجم” الحلية 6/318.
وقال ابن عيينة: “مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه” السير 8/57.
وقال ابن مهدي رحمه الله: “أئمة الناس في زمانهم أربعة: الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد، وقال: ما رأيت أحدا أعقل من مالك” السير 8/76.
وعن بقية قال: “ما بقي على وجه الأرض أعلم بالسنة الماضية منك يا مالك” السير 8/94.
وقال يحيى بن سعيد القطان: “مالك إمام يقتدى به” ترتيب المدارك 1/77.
وقال فيه سعيد بن الحداد: “كان مالك من الراسخين في الإسلام أرسخ في العلم من الجبال الراسيات” تريتب المدارك 1/77.
وقال فيه ابن معين: “مالك من حجج الله على خلقه، إمام من أئمة المسلمين مجمع على فضله” نفسه.

توقيره لحديث النبي عليه الصلاة والسلام
عن ابن أبي أويس قال: “كان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في الجلوس بوقار وهيبة ثم حدث، فقيل له في ذلك فقال: أحب أن أعظم حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا، كان يكره أن يحدث في الطريق وهو قائم أو مستعجل فقال: أحب أن يفهم ما أحدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام” صفة الصفوة 2/178.
وعن معن بن عيسى قال: “كان مالك بن أنس إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل وتبخر وتطيب، فإذا رفع أحد صوته في مجلسه زجره، قال: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) فمن رفع صوته عند حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله عليه الصلاة والسلام” تهذيب الكمال 11/111.

نصرته للسنة وشدته على أهل البدع
حدث أبو ثور عن الشافعي قال كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: “أما إني على بينة من ديني، وأما أنت فشاك، إذهب إلى شاك مثلك فخاصمه” السير 8/99.
وقال القاضي عياض: “قال أبو طالب المكي: كان مالك رحمه الله أبعد الناس من مذاهب المتكلمين وأشد نقدا للعراقيين، ثم قال القاضي عياض: قال سفيان ابن عيينة: سأل رجل مالكا فقال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فسكت مالك حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالا أخرجوه” السير 8/107.

طول إقرائه وإفتائه
لقد ظهرت مخايل النجابة والنباهة على الإمام مالك منذ نعومة أظفاره، واستوعب أصول العلم الشرعي وكلياته وهو في ريعان شبابه وأفتى في أمور الدين بمحضر الجلة من العلماء مع حداثة سنه، واستمر على ذلك إلى أن مات رحمه الله، فكانت مدة إقرائه وإفتائه نحوا من ستين سنة وقلما تيسر ذلك لأحد من العلماء، حتى قال القرافي رحمه الله في معرض الحديث عن مزايا مذهب الإمام مالك: “ومنها: طول عمره في الإقراء والإفتاء سنينا، ومعلوم أنهما ينبوع الإطلاع” الذخيرة 1/34.

عبادته وزهده وورعه
قال ابن المبارك رحمه الله: “رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين لله، وإنما رفعه الله بسريرته بينه وبينه، وذلك أني كنت أسمعه يقول: من أحب أن تفتح له فرجة في قلبه وينجوا من غمرات الموت وأهوال يوم القيامة فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية” ترتيب المدارك 2/51.
وقال عنه تلميذه ابن وهب: “كان أكثر عبادة مالك في السر بالليل والنهار حيث لا يراه أحد” ترتيب المدارك 2/53.
وقال كذلك: “ما رأت عني قط أورع من مالك بن أنس” ترتيب المدارك 2/51.
وقال محمد بن خالد بن عتمة: “كنت إذا رأيت وجه مالك رأيت أعلام الآخرة في وجهه، فإذا تكلم علمت أن الحق يخرج من فيه” ترتيب المدارك 2/50.
وقال فيه ابن مهدي: “ما رأيت أحدا الله في قلبه أهيب منه في قلب مالك بن أنس” ترتيب المدارك 2/51.
وقال فيه أبو مصعب: “كان مالك يطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منه شيء” ترتيب المدارك 2/51.

وفاته رحمه الله
كانت سنة مائة وتسع وسبعين بعد الهجرة، عن عمر يناهز ستة وثمانين سنة، انظر الانتقاء 10-44 وترتيب المدارك 1/119-120.
فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لكن ابن عبد البر رحمه الله استغرب قصر النسب بين الإمام مالك وذي أصبح فقال: “وأنا أستغرب نسب مالك إلى ذي أصبح وأعتقد أن فيه نقصانا كثيرا، لأن ذا أصبح قديم جدا” التمهيد 1/90.
وهذا الكلام لا ينافي ما جاء في ترتيب المدارك 1/106 أنه: “لم يختلف العلماء بالسير والخبر والنسب في نسب مالك هذا واتصاله بذي أصبح”، لأن إمكان وجود النقص في سلسلة النسب المذكور غير ضائر مادام اتصاله بذي أصح ثابتا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *