– قال الرحالي الفاروقي: “فقد كان هذا الشيخ رحمه الله علماً من أعلام المغرب الشاهقة، وفذاً من الأفذاذ الذين يفتخر بهم في ميادين المعرفة والإصلاح، وفي خدمة الكتاب والسنة ورفع رايتهما ونشر معانيهما وإقامة أحكامهما؛ بل كان يعتبر من الرعيل الأول في المغرب الذين أخذوا على أنفسهم إحياء العقيدة السلفية وبعث الروح الإسلامية الصحيحة في النفوس باعتماد وحي الكتاب العزيز ووحي سنة الذي لا ينطق عن الهوى، ونبذ ما سوى ذلك من الأقوال الموهومة والعقائد المشبوهة والخرافات المدسوسة التي أخرت سير المسلمين، وشوهت سمعة الإسلام. (شيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي في رحاب مدينة مراكش الفيحاء لمحمد رياض، ص:51-52).
– قال عبدالله الجراري: “ومن نماذج انتصاره للسنة وتحرره من التعصب المذهبي أن علماء فاس طلبوا من السلطان عبدالحفيظ أن يسدل الشيخ يديه في الصلاة، فقال الأمير للشيخ: العلماء طلبوا مني أن تسدل، فأجابه بقوله: أطلب منك أن تطلب منهم أن يطلبوا منك أن عسكرك يصلي، ومسألة السدل والقبض تعد من المسائل المفروغ منها، والمؤلف فيها تآليف ما بين محبذ للأول ورادّ للثاني والعكس، والمعوّل عليه في السنة هو القبض الذي وردت في شأنه أحاديث وثبتت طرقها -التي أنافت على الثلاثين طريقاً- في غير ما مسند من المساند فلا أطيل بجلبها.
ومما ذكره لنا الشيخ الدكالي في أحد مجالسه الحديثية أن طالباً طرح عليه سؤالاً في الموضوع قائلاً: إن السدل وارد في السنة، أجابه الشيخ قائلاً: إن وجدت السدل في السنة فسأكافئك على ذلك، وللحين ذهب الطالب للبحث في كتب السنة يتصفح أبوابها، وبينما هو كذلك إذ فاجأه باب نصه (باب السدل)، وعن عجل طوى الكتاب وأسرع يريد الشيخ، وبعد الاتصال به ذكر له أن السدل موجود وها هو ذا في الكتاب، فقال له: اقرأ عليّ، ففتح الكتاب وأخذ يقرأ، فإذا بلفظ النص (باب سدل الثوب) وسُقِطَ في يد الطالب الذي ذهب حلمه أدراج الرياح.” (المحدث الحافظ، ص:33-34).
قلت: ما أكثر هؤلاء المدعين الذين يزعمون أن السدل أيضا وارد في السنة، ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول لهم: “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”، هاتوا لنا دليلا واحد فحسب يدل على صدق دعواكم.
– قال عبد الله الجراري: “والشيخ الدكالي رحمة الله عليه عمد إلى شجرة كانت بباب لبيبة جوار ضريح سيدي المنكود المجاور للسور الأندلسيّ، وقطعها إذ كان النساء يعقدن بها تمائم وحروزاً وشعوراً وخرقاً كتبرك، رجاء دفع ما كان يجول في خواطرهن من هواجس وأوهام سببها الجهل، ولا غرابة، ما دام الشيخ من رواد السلفيّة الصادقة ومحاربة كل ما يمت بصلة إلى الخرف والشعوذة تنقية للأفكار وتطهيرها من آثار الخرافات والوثنية. (المحدث الحافظ، ص:30-31).
– وقال عبد الكبير الزمراني: “ولن ننسى قضية (لاَلَّة خضراء) وهي صخرة ذات شكل هندسيّ افتَتـن به النساء بمراكش، وكنّ يقربن لها القرابين، ويقدمن لها النذور ويقمن لها موسماً سنوياً إلى أن سمع بخبرها الشيخ رحمه الله فلم يتردد في تغيير هذه البدعة، والقيام بنفسه على إزالتها، ومن الغريب أنه كلما دعا عاملاً لكسرها امتنع من ذلك لما علق بذهنه من الأوهام حولها؛ إذ ذاك رأى نفسه مضطرا لكسرها بيده، وفعلاً أخذ الفأس وكسرها، ثم وزّع أشلاءها خارج البلد.” (شيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي في رحاب مدينة مراكش الفيحاء، ص58-59).
قلت: قارن مواقف أبي شعيب الدكالي رحمه الله، بمواقف من يسعى اليوم حثيثا لإحياء القبورية من جديد، وإحياء المواسم البدعية، فنقول لهؤلاء: هاتوا من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته ما يؤيد ما أنتم عليه. ودونكم خرط القتاد.