حديث: “مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلاَّ كَرِيمٌ، وَلاَ أَهَانَهُنَّ إِلاَّ لَئِيمٌ” محمد أبو الفتح

لم يعتبر الإسلام المرأة جرثومة خبيثة كما اعتبرها الآخرون، ولكنه قرر حقيقة تزيل هذا الهوان عنها، وهي أن المرأة بين يدي الإسلام قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق وعليها أيضاً من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وعلى الرجل بما اختص به من صفة الرجولة، وقوة الجلد، وبسطة واتساع الحيلة، أن يلي رعايتها، فهو بذلك وليها، يحوطها بقوته، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده، ذلك ما قرره الله تعالى بقوله،: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ” البقرة. (عودة الحجاب، د. إسماعيل المقدم).
وفي خضم الحملة المسعورة في الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وتمتيع المرأة بكافة حقوقها -وفق التصور العلماني-، لا يفتأ بعض المتدخلين في هذا الشأن من الاستدلال ببعض الأحاديث النبوية لدعم موقفهم من الناحية الشرعية، كما فعلت نزهة الصقلي وزيرة الأسرة والتضامن حين استدلت بحديث “مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلاَّ كَرِيمٌ، وَلاَ أَهَانَهُنَّ إِلاَّ لَئِيمٌ”، وهو حديث لا تصح نسبته للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (13/312-313) من طريق أبي عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن داود بن الحصين عن عكرمة بن خالد عن علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُم لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلاَّ كَرِيمٌ وَلاَ أَهَانَهُنَّ إِلاَّ لَئِيمٌ”.
أما صدر الحديث، وهو قوله: ” خَيْرُكُمْ خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، فصحيح رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مخرج في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (285)؛ وأما باقي الحديث وهو قوله: “ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم” فإنه لم يُرْوَ إلا بالإسناد المذكور آنفا، وقال فيه الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة (845):
«موضوع…وهذا إسناد واه بمرة، وفيه علل:
1- داود بن الحصين: ثقة إلا في عكرمة كما قال الحافظ في “التقريب”، ومستنده قول ابن المديني: “ما رواه عن عكرمة فمنكر”، وكذا قال أبو داود.
2- إبراهيم الأسلمي: كذاب كما قال يحيى القطان وابن معين وابن المديني، وروى أبو زرعة في “تاريخ دمشق” (34/1) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد قال: “لم يترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر، وإنما للكذب”. وفي رواية أخرى عنه: “أشهد على إبراهيم أنه يكذب”. وقال ابن حبان (1/92): “كان يرى القدر، ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث”..
3- أبو عبد الغني الأزدي: متهم بالوضع، وفي ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث، وقال فيها: “وكان ضعيفا”. ثم روى عن أبي نعيم أنه قال: “حدث عن مالك أحاديث موضوعة”. وكذا قال الحاكم، ثم تعقب ابن عساكر أبا نعيم بقوله: “ولا أعلم روى عن مالك ولا أدركه”.
قلت (القائل هو الشيخ الألباني): وهو إنما يروي عن مالك بواسطة عبد الرزاق، وقد ساق له الدارقطني من هذا الوجه حديثا وقال: “باطل وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق”…لكن قد ساق له ابن حبان (1/235) حديثا آخر صرح فيه بقوله: “حدثنا مالك” فهو من أكاذيبه عليه. وقال ابن حبان : “يضع الحديث على الثقات، لا تحل الرواية عنه بحال”».
ويغني عن هذا الحديث الموضوع قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وقوله صلى الله عليه وسلم: “أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ” (السلسلة الصحيحة284)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِر اليَوْمِ” (متفق عليه)، وما في معناها من الأحاديث. وفي الصحيح غُنْيَةٌ عن الضعيف والموضوع.
كما تجدر الإشارة إلى أن استغلال مثل هذه الأحاديث -وإن كانت صحيحة- لدعم مفاهيم غربية حول المساواة بين الرجل والمرأة فيه إذكاء للصراع المفتعل بينهما، ولَيٌّ لأعناق النصوص واستغلال لها من أجل الترويج لفكر مخالف بل مناقض لإرادة الشارع الحكيم الذي فرق بين الرجل والمرأة، تفريقا مشمولا بالعدل ومتماشيا مع فطرة كل منهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *