تسلية وترويح

طفيل بن دلال الهلالي رأس الطفيليين
الطفيلي هو من يغشى الناس ابتغاء الأكل من غير استدعاء ولا سؤال، منسوب إلى طفيل بن دلال الهلالي، وكان بالكوفة، فكان إذا سمع بطعام أتاه من غير أن يدعى إليه، فما فاته عرس قط، فقيل له: طفيل الأعراس، فكان كل من فعل فعله ينسب إليه فيقال: طفيلي.
ويقال: إنه لما حضرته الوفاة دعا ابنه عبد الحميد ليعهد إليه بهذه الحرفة فقال له: يا بني إذا دخلت عرساً فلا تلتفت التفات المريب، وتخير المجلس، فإن كان العرس كثير الزحام فمُرْ وانْه، وامض لشأنك، ولا تنظر في وجوه الناس ليظن أهل الرجل أنك من أهل المرأة، ويظن أهل المرأة أنك من أهل الرجل، فإن كان البواب فظاً وقحاً فابدأ به ومره وانهه من غير عنف ثم أنشد يقول:
لا تجزعن من القريـــ *** ـــب ولا من الرجل البعيد
وادخل كأنّك طابــخ *** بيديك مغــرفة الثــــريد
متدلياً فــوق الطــعا *** م تدلّي الـبازي الصـيود
لتلف ما فوق المـوا *** ئد كلـها لـفّ الــفــــهود
واطرح حياءك إنما *** وجه المطفل مــن حديد
وعليـــك بالفالوذجا *** ت فإنــها بيــت القـصيد
حتى إذا أحرزتــها *** ودعونهم هل من مزيد؟
والعرس لا يخلو من الــ *** ـــــلوزينج الرطـــب العتيد
فإذا أتيت به حـــويـــــ *** ــــت محاسن الجــــامّ الجديد
ثم أغمي عليه عند ذكر اللوزينج فأفاق بعد ساعة فقال:
وتنقلَنَّ على المــوا *** ئـــد مثل شيــطان مَرِيد
فإذا انتقلت عبثت بالـ *** كعـتك المجفف والقــديد
واعلم بأنك إن قــــبلــ *** ـــت نَعِمْت يا عبد الــحميد
من الحَرِّ أفر
ويروى عن الأصمعي أنه قال: أتى شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف لأصوم به فرارا من حر مكة، فلقيني أعرابي فقلت له: أين تريد؟ قال: أريد هذا البلد المبارك لأصوم فيه هذا الشهر المبارك، فقلت له: أما تخاف الحر؟ قال: من الحر أفر.
صاحب التين
أهدى رجل إلى الحجاج تيناً في غير إبانه، فجلس على الباب ينتظر الجائزة، فإذا بقوم جلبوا ليقتلوا، فلما بلغوا الباب هرب واحد منهم، فخاف الموكل بهم على نفسه، فأخذ صاحب التين فيهم، فلما قُدموا للقتل قال: أيها الأمير، هؤلاء يذنبون وأنا لا ذنب لي، فقال له الحجاج: ألست منهم؟ فقال: لا، أنا الذي جئت بالتين، فبحث الحجاج على ذلك فوجده صادقاً فقال له: أخفناك مع إحسانك إلينا، تمن عليّ، فقال له الرجل: تعطيني ربع دينار، فقال: ما تصنع به؟ قال: أشتري به فأساً فأقطع هذه الشجرة التي كانت سبب معرفتي بك، فضحك الحجاج وأمر له بصلة سَنِيَّة.
أعور من أي عينيه شاء
أُخِذ بعض الشطار فحُمل إلى الكاتب ليسجّل نعته، فأغلق عينه اليمنى فكتب الكاتب: أعور العين اليمنى، فلما علم الشاطر أنه قد كتب ذلك فتح اليمنى وأغلق اليسرى، فلما نظر إليه الكاتب توهم أنه غلط فمحا اليمنى وكتب اليسرى، فأغلق الشاطر اليمنى وفتح اليسرى. فنظر الكاتب إليه فقال: لعن الله الشيطان، أفسدت ما كان صحيحاً، فكتب اليمنى فأغلق الشاطر اليسرى، فتحير الكاتب ولم يدر ما يفعل فكتب: أعور من أي عينيه شاء.

حكم ومواعظ
إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه
لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جاءته الوفود، فحين دخل عليه وفد أهل الحجاز أراد غلام منهم أن يتكلم، فقال له عمر: يا غلام، يتكلم من هو أسن منك، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد أجاد له الاختيار، ولو أن الأمور بالسن لكان هنا من هو أحق بمجلسك منك، فقال له: صدقت فتكلم، فهذا هو السحر الحلال، فقال: يا أمير المؤمنين، نحن وفدُ التهنئة، لا وفد المرزئة (أي: الـمُصِيبةُ)، لم تقْدِمْنا إليك رغبةٌ ولا رهبةٌ، لأنا قد أمِنّا في أيامك ما خفناه، وأدركنا ما طلبناه، وفي رواية: أما الرغبة فقد أوصلها لنا فضلك، وأما الرهبة فقد أمّننا منها عدلك، فتهلل وجه عمر عند ثناء الغلام عليه، وسأل عن سن الغلام فقيل: عشر سنين، ثم كأن عمر خاف العجب، فأقبل على الغلام وقال: عظنا يرحمك الله: فقال: يا أمير المؤمنين، لا يغلبن جهل القوم بك معرفتك بنفسك، فأجهل الناس مضن ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس، وإن قوماً خدعهم الثناء، وغرهم الشكر، فزلت أقدامهم فهوُوا في النار، أعاذك الله يا أمير المؤمنين أن تكون منهم، وألحقك بصالح سلَف هذه الأمة، فجعل عمر يبكي حتى خيف عليه.
رباعيات
أربعة لا تستغني عن أربعة: الرعية عن السياسة، والجيش عن القادة، والرأي عن الاستشارة، والعزم عن الاستخارة.
وأربعة لا بقاء لها: مال يُجمع من حرام، وحال تعهد من الأيام، ورأي يعرى من العقل، وملك يخلو من العدل.
وأربعة تولد المحبة: حسن البِشر، وبذل البر، وقصد الوفاق، وترك النفاق.
وأربعة من علامات الكرم: بذل الندى، وكف الأذى، وتعجيل المثوبة، وتأخير العقوبة.
وأربعة من علامات اللؤم: إفشاء السر، واعتقاد الغدر، وتجنب الأخيار، وإساءة الجوار.
وأربعة من علامات الإيمان: حسن العفاف، والرضى بالكفاف، وحفظ اللسان، ومحبة الإخوان.
وأربعة من علامات النفاق: قلة الديانة، وكثرة الخيانة، وغش الصديق، ونقض المواثيق.
وأربعة تزال بأربعة: النعمة بالكفران، والقوة بالعداون، والدولة بالإغفال، والحظوة بالإذلال.
وأربعة يترقى بها إلى أربعة: العقل إلى الرياسة، والرأي إلى السياسة، والعلم إلى التصدير، والحلم إلى التوقير.
وأربعة تؤدي إلى أربعة: الصمت إلى السلامة، والبر إلى الكرامة، والجود إلى السيادة، والشكر إلى الزيادة.
وأربعة تدل على وفور العقل: حب العلم، وحسن العلم، وصحة الجواب، وكثرة الصواب.
وأربعة تدل على نقصان العقل: الجهل بالأعادي، والأمن للعوادي، والجفوة للإخوان، والجرأة على السلطان.
وأربعة لا تتم إلا بأربعة: العلم بالحجا، والدين بالتقى، والأعمال بالنيات، والموالاة بإخلاص الطويات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *