قال اليوسي: واعلم أن أمور الدنيا مشوبة خيرها بشرها، وحلوها بمرها، ثم هي متبدلة “متغيرة” لا تكاد تثبت في حد، ولا تقف على مركز، وحكمة ذلك شيئان: أحدهما: أن الدنيا لما جعلت مقدمة للآخرة يقع فيها الاستعداد لدخول الجنة والنجاة من النار جعلت مظهراً لما هنالك من نعيم وعذاب، ودالة عليه، ومذكرة له، وقاضية بالترغيب والتنفير، فلم تجعل خيراً محضاً، وإلاّ نسي العذاب، ولا شراً محضاً، وإلاّ نسي النعيم، وأيضاً جعلت دالة على أوصاف الرب المنشئ لها سبحانه، من جمال وجلال لتحصل المعرفة لعباده، وهذا كله كلام واسع الذيل لو بسطناه، والإشارة تكفي.
الثاني: أنها حادثة حادث ما فيها، وشأن الحادث أن يتبدل من عدم إلى وجود، ومن وجود إلى عدم، ذاتاً وصفة وحالاً، ومكاناً وزماناً، فلزم من ذلك التحول من عز إلى ذل، ومن غنى إلى فقر، ومن ارتفاع إلى اتضاع ومن سرور إلى حزن، ومن صحة إلى سقم، وبالعكس في الجميع إلى غير ذلك.
كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صوموا يومًا شديدًا حرُّه لحرِّ يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، وتصدَّقوا بصدقة السِّرِّ لحر يوم عسير.
قال رجل لداود الطائي: أوصني:
قال: اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة وأكثرهم لك معونة.
قال عمرو العوفي: كان يقال: اصحب من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مأنك، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سقطة سترها، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت سدد صولك.
وزاد غيره: ولا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ومن إن سألته أعطاك، وإن سكت ابتدأك، وإن نازعته بذل لك.
قال عبد الله بن الحسن: أربع من سعادة المرء: أن تكون زوجته صالحة، وأن يكون ولده أبرارا، وأن تكون معيشته في بلده، وإخوانه صالحين.
قال أبان بن سليم: كلمة حكمة لك من أخيك، خير لك من مالٍ يعطيك؟ لأنّ المال يطغيك والكلمة تهديك.
ذكر عند الأحنف بن قيس: الصمت والكلام، فقال قومٌ: الصمت أفضل فقال الأحنف: الكلام أفضل لأن الصمت لا يعدو صاحبه، والكلام ينتفع به من سمعه، ومذاكرة الرّجال تلقيحٌ لعقولها.