السلطان السلفي المولى سليمان (1238 هـ) إعداد: أحمد السالمي

هو سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي، أبو الربيع، سلطان المغرب الأقصى، بويع بفاس سنة ست ومائتين وألف من الهجرة، بعد وفاة أخيه يزيد بن محمد إثر معركته مع أخيه هشام.

قال الكتاني: كان من نوادر ملوك البيت العلوي في الاشتغال بالعلم وإيثار أهله بالاعتبار.
وقال صاحب الاستقصا: وأما الدين والتقوى، فذلك شعاره الذي يمتاز به، ومذهبه الذي يدين الله به، من أداء الفريضة لوقتها المختار حضرا وسفرا، وقيام رمضان وإحياء لياليه.
موقفه من المبتدعة
كان هذا الملك من أعقل ملوك أهل زمانه، وأذكاهم وأعلمهم وأفضلهم. حيث إن الملوك الآخرين لما وصلتهم خطابات أمير الرياض والحرمين الشريفين، تسرعوا في الرد عليه، والهجوم بألسنة علمائهم وكتابهم، في وصفه بالمروق والخروج عن الدين، ولكن هذا الملك الفاضل أرسل ابنه الأمير إبراهيم إلى الحج لمشاهدة الحال، فجهزه وأرسل معه مجموعة من العلماء والعقلاء، فذهب الأمير والمرافقون فوجدوا من الخير والحق، ما كان مصورا خلافه في أذهانهم، فرجعوا مقتنعين بالدعوة السلفية بعد المناظرات التي جرت في الحجاز والاستفسارات التي كانت نتيجتها معرفة الحق الواضح.
جاء في الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المغربي: ومن خطبه، خطبته في ردع رعيته عن بدع المواسم التي تُجعل للصالحين، نقلتها بلفظها في كتاب برهان الحق. وكان شديد الإنكار لمثل هذه البدع واقفا مع السنة شديد التحري.
قال المولى سليمان رحمه الله: “وها نحن عباد الله أرشدناكم وأنذرناكم وحذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم .”
قال عبدالحفيظ الفاسي: وأمر بقطع المواسم التي هي كعبة المبتدعة والفاسقين، وكتب رسالته المشهورة، وأمر سائر خطباء إيالته بالخطبة بها على سائر المنابر إرشادا للناس لاتباع السنن ومجانبة البدع، ولولا مقاومة مشايخ الزوايا من أهل عصره له؛ وبَثهم الفتنة في كافة المغرب وتعضيد من خرج عليه من قرابته وغيرهم؛ واشتغاله بمقاتلتهم وإنكاره أمامهم، لولا كل ذلك لعمت دعوته الإصلاحية كافة المغرب، ولكن بوجودهم ذهبت مساعيه أدراج الرياح، فذهبت فكرة الإصلاح ونصرة مذهب السلف بموته.
ومازال العلماء والمصلحون مهتبلين بهذه الخطبة مقدرين لها قدرها فهذا الفقيه الأديب اللوذعي الأريب السيد الحبيب الرشيدي لمـا سمعها مدحها ومدح منشئها بقصيدة غراء اشتملت على 40 بيتا منها:
يا حسنها مـن خطبة أحيـا بها ما مات من سنن الشيوخ المجـد
ومنها :
فيهـا دعـا لله قومـا أعلنـوا *** بالشطح والتصفيق والفعل الـردي
جعلـوا مواسم ما لها في سنـة *** أصل بأضرحـة الفحـول الزهـد
رفضوا علوم الشرع إيغالا كمـا *** سـوا التنقيص الشيوخ بمرصـد
فهموا على دين النبي أضر مـن *** متبوعهـم والكـل عـاد معتـد
حتى رمـاهـم ربنـا بثواقـب *** من عدل سيدنا الهمـام الأوحـد
فأقامـهم -والله راض عنه- فـي *** سجـن المهـانة بالمقـام الأبعـد
وهذا أبو القاسم الزياني يقول فيها في” الترجمانة الكبرى التي جمعت أخبار العالم برا وبحرا”: “الخطبة التي لم يسمع مثلها فيما مضى من العصور ولا ذكرها ملك ولا عالم مشهور فهي سادسة خطب الخلفاء الأربع اللواتي انتفع الناس بها أجمع مع خطبة الإبريز التي أملاها عمر بن عبد العزيز، فَمن سمع هذه الخطبة وتأملها علم عِلم اليقين وتحقق أنها برزت من قلب خالص عارف بما أعده الله في الآخرة للمتقين وأن ذلك من المواهب الربانية وفوق المواهب اللدنية وأن أمير المؤمنين ممن يقال فيه ويكون القائل قصر عما فيه، الإمام الذي ضاهت أسرار كلامه كلام (الأحياء) وهي “قوت القلوب” إلى الأموات والأحياء وحاذى بعبارة (حكم ابن عطاء) (والتنوير) فكان ما فيها من (لطائف المنن) ما هو طبق الحديث والتفسير”.
فرحم الله أبا الربيع رحمة واسعة وأجزله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *