الديك الهزيل
عندما دعا الشاعر المصري محمود غنيم أحد أصدقائه مرة إلى مأدبة في سفح الهرم، وذبح له ديكاً هزيلاً، فلم ينج هذا الصديق من مداعبات الشاعر، فكتب قصيدة يقول فيها:
يا صاح مالك والكرم *** البخل طبـــعك مــن قدم
شـهدت ببــخلك لــيلة *** قمراء في ســفح الــهرم
تـــباً لديكـــك يا أخي *** هضم الحديد وما انهضم
ديـك هزيـل الجـــسم *** تـركله الــجرادة بالقــدم
في دولة الأدياك كان *** مــن الســعاة أو الخــدم
خلـــناه في الأطــباق *** رسماً بالــمداد وبالـــقلم
جلد يحيــط بأعــظم *** لا لــحم فيــه ولا دســـم
أبو نواس يهجو الفضل، أحد البخلاء في عصره قائلاً
رأيت الفضلَ مكتئبًا *** يُناغي الخبز والسّمـكا
فـأسـبـل دمــعة لـما *** رآنـــي قــادمًا وبكــى
فلــما أنْ حـلفــتُ له *** بـأنّي صــائــمٌ ضحِكا
ذكاء القاضي
روي أن عـضد الدولة بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم، فلما وصل إلى مدينته عرف ملك الروم خبره ومكانته من العلم، ففكر الملك في أمره وعلم أنه إذا دخل عليه لن يعمل كما يعمل رعيته بأن يدخلوا على الملك وهم ركوع بين يدي الملك.
ففكر بأن يوضع أمام الملك باب صـغير لا يمكن لأي شخص أن يدخل منه إلا إذا كان راكـعا ليدخل القاضي منه راكعا أمام الملك.
فلما وصل القاضي إلى بلاط الملك ورأى الباب الصغير فطن بهذه الحيلة.
عندها أدار القاضي ظهره للباب وحنى ظهره ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه، وقد اسـتقبل الملك بظهره حتى صار بين يديه ثم رفع رأسـه وأدار وجـهه حيـنئذ للملك، فعـلم الملك من فطـنـته وهابه.
أشعب والمرأة العائنة
في كتاب بستان الأدباء، قال: كانت بالمدينة امرأة شديدة الإصابة بالعين لا تنظر إلى شيء إلا دمرته، فدخلت على أشعب تعوده، وهو محتضر يكلم بنته بصوت ضعيف ويقول يا ابنتي إذا مت فلا تنوحي علي وتندبيني، والناس يسمعونك تقولين، وا أبتاه أندبك للصلاة والصيام، والفقه والقرآن، فيكذبونك، ويلعنوني، والتفت أشعب فرآى المرأة فغطى وجهه بكمه وقال لها يا فلانة نشدتك الله إن كنت استحسنت شيئاً مما أنا فيه، فصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: سخنت عينك وفي أي شيء أنت حتى أستحسنه، إنما أنت في آخر رمق، فقال أشعب: قد علمت ذلك، ولكن قلت لا تكونين قد استحسنت خفة الموت علي وسهولة النزع، فيشتد ما أنا فيه فخرجت من عنده، وهي تشتمه، فضحك من كان حوله، حتى أولاده ونساؤه ثم مات.
حكم ومواعظ
أدب النفس
قيل: شبه العالم الشريف القديم الأدب بالبنيان الخراب الذي كلما علا سمكه كان أشد لوحشته، وبالنهر اليابس الذي كلما كان أعرض وأعمق كان أشد لوعورته، وبالأرض الجيدة المعطلة التي كلما طال خرابها ازداد نباتها غير المنتفع به التفافا وصار للهوام مسكنا.
قال ابن المقفع: ما نحن إلى ما نتقوى به على حواسنا من المطعم والمشرب بأحوج منا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا، فإن الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضارتها إلا بالماء الذي يعود إليها من مستودعها.
وحكى الأصمعي رحمه الله تعالى أن أعرابيا قال لابنه: يا بني العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب دعامة أيد الله بها الألباب، وحلية زين الله بها عواطل الأحساب، فالعاقل لا يستغني وإن صحت غريزته، عن الأدب المخرج زهرته، كما لا تستغني الأرض وإن عذبت تربتها عن الماء المخرج ثمرتها.
وقال بعض الحكماء: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت.
وقال آخر: العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب كالشجر المثمر.
وقال بعض البلغاء: الفضل بالعقل والأدب، لا بالأصل والحسب؛ لأن من ساء أدبه ضاع نسبه، ومن قل عقله ضل أصله.
وقال بعض الأدباء: ذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب، واتخذ الأدب غنما، والحرص عليه حظا، يرتجيك راغب، ويخاف صولتك راهب، ويؤمل نفعك، ويرجى عدلك.
وقال بعض العلماء: الأدب وسيلة إلى كل فضيلة، وذريعة إلى كل شريعة.
وقال بعض الفصحاء: الأدب يستر قبيح النسب.
وقال بعض الشعراء فيه:
فمـــا خلق الله مـثل العــقول *** ولا اكتسـب الناس مثـل الأدب
ومـا كرم المــرء إلا التــقى *** ولا حســـب المـرء إلا النسب
وفي العلم زين لأهل الحجا *** وآفة ذي الحلم طيش الغضب