حكم ومواعظ

قال الإمام الثوري رحمه الله :كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة.
الحث على تدبر معايبك
قال لقمان الحكيم عليه السلام: لا تدع النظر في مساويك كل وقت لأن ترك ذلك نقص من محاسنك. وقيل: كن في الحرص على تفقد عيوبك كعدوّك.
إقامة العذر باستعمال الحزم
قيل: من استشار فيما نزل به صديقه واستخار ربه وأجهد رأيه، فقد مضى ما عليه، وأمن رجوع الملامة إليه.
وقيل: من أعجب الأشياء، جاهل يسلم بالتهوّر، وعاقل يهلك بالتوقي.
ذم طلب الأمر بعد فوته
قيل لبعض الحكماء: هل شيء أضر من التواني؟ فقال: الاجتهاد في غير موضعه.
وقيل: العجز عجزان عجز التقصير وقد أمكن، والجد في طلبه وقد فات.
أخذه الشاعر فقال:
تَتَبعُ الأمر بعد الفوت تغرير *** وتركه مقبلا عجز وتقصير
وقيل: شر الرأي الدبري؛ قال الشاعر:
أصبحت تنفخ في رمادك *** بعدما ضيعت حظك من وقود النار
مدح من يقول لا أدري
سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: ألا تستحي من قولك هذا وأنت فقيه العراقيين؟ فقال: إن الملائكة لم تستحي إذ قالت: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا!
وقيل لأبي عمرو مثله فقال: أقبح من هذا أن أقول فأخطىء، وأروي فلا أروى.
صعوبة جانب العلم
قال الخليل رحمة الله عليه: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، ثم أنت في إعطائه إياك بعضه مع إعطائك إياه كلك على خطر. وقيل: لا يتأدب الرجل حتى يتجنب الفراش الوطىء والدثار الدافئ.
وقيل: لا يدرك العلم من لا يطيل درسه ولا يكد نفسه.
وقيل لبعض العلماء: ذللت طالباً فعززت مطلوباً. فقال: من ذل طلبه عز أدبه.
اتساع القلب بازدياد العلم
قال أبو نواس: ما رأيت شيئاً إلا قليله أخف من كثيره إلا العلم، فإنه كلما كان أكثر كان أخف محملاً.
وقيل: كل إناء يفرغ فيه شيء يضيق إلا القلب، فإنه كلما أفرغ فيه علم اتسع.
وقيل: قلب العالم كبيت فيه مصباح، لا يضيق عن تظاهر النور فيه بل يتسع للنظر ويزيد في الضياء.
مدح كلام وسط
خير الكلام ما لا يكون عامياً سوقياً، ولا عربياً وحشياً. وقيل: الإيغال في البلاغة معجزة، والخروج عن كلام أهل الزمان هجنة.
قال أبو الأسود الدؤلي لابنه: يا بني إذا كنت في قوم فلا تتكلم بكلام من لم يبلغه سنك فيستثقلوك، ولا بكلام من هو دونك فيستحقروك.

تسلية وترويح
الوديعة
يُحكى أن ملكاً مات له ولد. فاشتدّ حزنه عليه، وأفحش في إظهار التسخّط بسبب ما أصابه.‏ فأتاه رجل فقال: أيها الملك، إن لي صاحباً أودعني جوهرة، فكانت عندي مدّة، أتلذّذ برؤيتها. ثم إنه استرجعها فآلمني ذلك. وأنا أسألك إحضاره وإلزامه بإعادة إيداع الجوهرة عندي.‏ فقال الملك:‏‏ أمجنون أنت؟ كيف أُلزِم أحداً بأن يودع ماله عندك؟!‏ ‏فقال له:‏ فالله أودع عندك ولداً لك هذه المدّة ثم استردّه، فلِمَ هذا الحزن والسخط؟
المفاخر بقوته
رأى حكيم رجلاً يفخر بتفوّقه في المصارعة، فقال له:‏ هل غلبتَ من هو أضعف منك أو من هو أقوى منك؟‏ ‏فقال: بل غلبتُ من هو أضعف مني.‏ ‏قال: فما هذا موضع مدحٍ، وذلك أن كل واحد من الناس يغلب من هو أضعف منه.‏ فقال له الرجل: بل غلبتُ من هو أقوى مني.‏ قال: هذا مُحالٌ وباطل.‏ ‏ فقال: بل غلبتُ من هو مُساوٍ لي.‏ قال: مـَن غلبتـَه لا يكون مساويـاً لك.
قصة أبي نواس مع شاعر الأندلس
كان عباس بن ناصح الشاعر الأندلسي لا يَقْدم من المشرق قادمٌ إلا سأله عمَّن نَجَمَ هناك في الشعر، حتى أتاه رجل من التجار فأعلمه بظهور أبي نواس، وأنشده من شعره قصيدتين؛ إحداهما قوله: جَرَيْتُ مع الصِّبا طَلـْقَ الجُمُوحِ، والثانية: أما ترى الشمس حَلـَّت الحَمَلا، فقال عباس: هذا أشعرُ الجن والإنس. واللّه لا حبسني عنه حابس. فتجهَّز إلى المشرق. فلما حلَّ بغداد نزل منزِلة المسافرين، ثم سأل عن منزل أبي نواس، فأُرشـِد إليه، فإذا بقصر على بابه الخـُدَّام. فدخل مع الداخلين، ووجد أبا نواس جالسًا في مقعد نبيل، وحولَه أكثرُ متأدّبي بغداد، يجري بينهم التمثل والكلام في المعاني. فسلّم عباس وجلس حيث انتهى به المجلس، وهو في هيئة السفر. فلما كاد المجلس ينقضي، قال له أبو نواس: مَن الرجل؟ ‏قال: باغي أدب. ‏قال: أهلاً وسهلاً. من أين تكون؟ قال: من المغرب الأقصى. وانتسب له إلى قرطبة. ‏فقال له: أَتَرْوي من شعر أبي المخشيّ شيئًا؟ قال: نعم. قال: فانشِدني. فأنشده شعره في العمى. فقال أبو نواس: هذا الذي طَلَبَتْه الشعراء فَأَضَلَّتْه. أنشـِدني لأبي الأجرب. ‏فأنشده. ثم قال: أنشدني لبكْر الكنانيّ. ‏فأنشده. ثم قال أبو نواس: شاعر البلد اليوم عباسُ بن ناصح؟ قال عباس: نعم. ‏قال: فأنشِدني له. فأنشده: فَأَدْتُ القَريض ومَنْ ذا فَأَدْ ‏فقال أبو نواس: أنت عباس؟ فقال‏‍‍‍‍‍قال: نعم! ‏فنهض أبو نواس إليه فاعتنقه إلى نفسه، وانحرف له عن مجلسه. فقال له مَن حضَر المجلس: من أين عرفَته أصلحك اللّه؟ ‏قال أبو نواس: إني تأمّلته عند إنشاده لغيره، فرأيته لا يُبالي ما حدث في الشعر من استحسان أو استقباح. فلما أنشدني لنفسه استَبَنْتُ عليه وَجْمَةً، فقلت: إنه صاحبُ الشِّعر! ‏ ‎‎
من كتاب “طبقات النحويين واللغويين” للزُّبيدي الأندلسي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *