لماذا اخترنا الملف؟

مما لا شك فيه أن سعادة الإنسان مرتبطة بعقله، والعقل من الإنسان كالقطب من الرحى، أو الروح من الجسد، به يعرف الخير من الشر، والضار من النافع، والهدى من الضلال، وبه رفع الله شأنه ففضله وكرمه على كثير من خلق تفضيلا.

وحفاظا على هذه النعمة العظيمة حرم الله تعالى على الإنسان أن يعاقر كل ما يفسد تلك النعمة أو يضعفها، فحرم عليه الخمر.
ورحم الله ابن الوردي حين قال:
واترك الخمر إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل
والمسلمون هم وحدهم الذين يقاطعون الخمور مقاطعة تامة شاملة، لأن الله عز وجل قد حرّم الخمر بعينها، وحرّم على المسلمين كل ما يتصل بها، من شرب وإنتاج وبيع وشراء وحمل ونقل.. وغير ذلك، عملا بأمر: الاجتناب، الوارد في قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، والاجتناب معناه: الابتعاد عن الشيء. وقد وضح هذا المعنى أفصح من نطق بالضاد بقوله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ومبتاعها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها” رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
قال البقاعي في كتابه نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} وهي كل ما أسكر سواء فيه قليله وكثيره، وأضاف إليها ما واخاها في الضرر ديناً ودنيا وفي كونه سبباً للخصام وكثرة اللغط المقتضي للحلف والإقسام تأكيداً لتحريم الخمر بالتنبيه على أن الكل من أفعال الجاهلية..
قال البخاري: وحكمة ترتيبها هكذا أنه لما كانت الخمر غاية في الحمل على إتلاف المال، قرن بها ما يليها في ذلك وهو القمار، ولما كان الميسر مفسدة المال، قرن به مفسدة الدين وهي الأنصاب، ولما كان تعظيم الأنصاب شركاً جلياً إن عبدت، وخفياً إن ذبح عليها دون عبادة، قرن بها نوعاً من الشرك الخفي وهو الاستقسام بالأزلام، ثم أمر باجتناب الكل إشارة وعبارة على أتم وجه، فقال: {رِجْسٌ} أي قذر، أهل لأن يبعد عنه بكل اعتبار حتى عن ذكره.. ثم زاد في التنفير عنها تأكيداً لرجسيتها بقوله: {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي المحترق البعيد، ثم صرح بما اقتضاه السياق من الاجتناب فقال: {فَاجْتَنِبُوهُ} أي تعمدوا أن تكونوا عنه في جانب آخر غير جانبه. اهـ
وقال مالك: الأمر عندنا وفي بعض الموطآت السنة عندنا أن من شرب شرابا يسكر فسكر أو لم يسكر، فقد شرب الخمر وقد وجب عليه الحد.
وقال الأوزاعي: كل مسكر وكل مخدر حرام، والحد واجب على من شرب شيئا منه.
وقال الشافعي: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وفيه الحد.
فهذا مذهب أهل الحرمين مكة والمدينة، ومذهب أهل الشام واليمن ومصر والمغرب وجمهور أهل الحديث. (الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار لابن عبد البر المالكي).
وهو ما جرى عليه العمل عند المسلمين قاطبة، أما في الغرب فإن الخمور تعتبر جزء من حياتهم الاجتماعية، ومشروبا أساسيا يوضع على موائدهم، يسقونها نساءهم وأطفالهم.. ويزداد اهتمامهم بها أكثر في السهرات والحفلات، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على العديد من مجالات حياتهم.
فقد ذكرت مجلة ميدسين في مقال لها: “أن استهلاك الخمر في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات قد تزايد في العالم تزايداً مريعاً. ومع تزايد شرب الخمر منذ الحرب العالمية الثانية تكاثرت الأمراض والمشاكل التي يسببها الخمر، فهناك علاقة وثيقة بين الخمر ونسبة الوفيات”.
وذكرت جامعة كاليفورنيا في موسوعتها أن ثلث اليافعين في أمريكا يشربون المسكرات بدرجة تعيق نشاطهم الدراسي في المدرسة، وقد بدأ أغلبهم شرب المسكرات قبل سن الثالثة عشر من العمر!
فالغرب الذي يحتسي الخمر على موائده كاحتسائه الماء بات يدرك أن هذا المشروب هو السبب الرئيس وراء استفحال العديد من جرائم العنف والقتل والاغتصاب، ووراء العديد من الأمراض العضوية كالسرطان..، وهو يسعى اليوم إلى التقليل من مبيعاتها ورفع رسومها ومنع إشهارها، في الوقت نفسه الذي نجد فيه بعض الجمعيات الحقوقية تسعى جاهدة إلى إلغاء القوانين التي تجرم شرب الخمر وبيعها وإشهارها، ونجد فيه وزارة الداخلية تمنح المزيد من رخص بيع الخمور للأسواق والمتاجر الكبرى، ونلمس فيه تساهلا واضحا من الجهات الأمنية مع من يقوم بإشهارها على صفحات الجرائد والمجلات واللوحات الإشهارية، فباتت الخمور منتشرة في كثير من أحياء مدننا، بحجة تشجيع السياحة.. واستدرار أموال الأجانب..
الأمر الذي انعكس سلبا على شريحة واسعة من ساكنة المدن أبرزهم الشباب، وفشا فيهم الإدمان، وكثرت الأمراض والعديد من الظواهر السلبية كالسطو والتحرش والاغتصاب.. فبات إصلاح هذا الوضع المتردي متعينا، ومطلب تفعيل الحكم الشرعي في الخمر ضرورة ملحة.
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع الهام الذي باتت رقعته تتسع يوما بعد يوم، ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *