الخطأ صفة ملازمة لبني آدم إلا من عصمه الله

الخطأ صفة ملازمة للبشر لا ينجو منه أحد إلا من عصمه الله من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” (صحيح سنن ابن ماجة 2/418).

ولو نجا من الخطأ أحد لنجا منه الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ الذين هم أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” . (أخرجه مسلم؛ ح:2749).
لذا تقررت هذه القاعدة عند السلف رحمهم الله وأصبحت عندهم قضية مسلمة، لا تقبل المساومة، نستيقن ذلك من خلال النقولات المتوافرة عنهم في ذلك، ومن خلال تعاملهم مع الأخطاء والعثرات.
فهذا الإمام الشافعي يقول: “قد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، إن الله تعالى يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً} (النساء:82).
وقال تلميذه المزني: “لو عورض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ، أبى الله أن يكون كتابٌ صحيح غير كتابه” . (الآداب الشرعية 2/141).
وقال الإمام أحمد: “ما رأيت أحداً أقل خطأ من يحيى بن سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث ثم قال: “ومن يعرى من الخطأ والتصحيف” (سير أعلام النبلاء 9/181).
وقال الإمام الترمذي: “وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان، والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم” . (العلل الصغرى 5/747–748).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفوراً لهم، بل ليس من شرطهم ترك الصغائر مطلقاً، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه توبة” (مجموع الفتاوى 11/66-67).
وقال ابن القيم رحمه الله: “وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوماً جهولاً، ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته” (المدارج 2/522).
وقال مهنا لأحمد: “كان غندر يغلط؟ قال: أليس هو من الناس؟!” (الآداب الشرعية 2/141).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: “من يبرئ نفسه من الخطأ فهو مجنون” (الآداب الشرعية 2/141).
وقال الإمام مالك: “ومن ذا الذي لا يخطئ” (الآداب الشرعية 2/141).
إذا تقرر ذلك فكيف يتعامل المسلم مع أخطاء الآخرين وعثراتهم؟
من المعلوم أن الخطأ ليس بمنزلة واحدة، فالخطأ إما أن يكون في أمر الدين أو الدنيا، والخطأ الحاصل في أمر ديني، إما أن يكون في الأصول أو الفروع، ولا شك أن الخطأ الواقع في الأصول والعقائد أعظم وقعاً، وأجدر بالتصحيح والتصويب من الخطأ الحاصل في الفروع، والخطأ في المسائل الفرعية إما أن يكون في أمر مجمع عليه أو في مسألة اجتهادية، وإما أن يكون في الكبائر أو الصغائر وبالنسبة للمخطئ لا بد من التفريق:
– بين الخطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه وبين خطأ العمد والغفلة والتقصير.
– وبين خطأ ذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالذنب، وخطأ العاصي المسرف على نفسه.
– وبين المجاهر بالخطأ والمستتر به.
– وبين من يتوالى منه حدوث الخطأ وبين من يقع منه على فترات متباعدة.
إلى غير ذلك من الاعتبارات المرعية عند التعامل مع الخطأ والمخطئ. (عن كتاب: فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف، د.عبد الرحمن المدخلي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *