سلسلة التوحيد عند السادة الصوفية الأصول الثلاثة عند المتصوفة (الحلقة الأولى) ذ عادل خزرون

إن المتأمل في عقائد الصوفية، يجدها عجيبة وغريبة وذلك بسبب روافدها المتعددة ومصادرها المختلفة فهي فلسفة قديمة جداً وعقيدة لها معالمها الخاصة بها، متشبعة بالثقافات المتنوعة والديانات المختلفة سواء كانت هذه الديانات وثنية في الأصل كالبوذية واليونانية والفارسية؛ أو كانت ديانات سماوية في الأصل كالنصرانية التي تأثرت بهذه الفلسفات التي سبق ذكرها.

ولم يوجد التصوف بين المسلمين إلاّ بعد ترجمة كتب الفرس واليونان والهنود إلى العربية. والناظر في كتبهم ومصنفاتهم في العقائد والفرق يجدهم أكثْرَوا الكلام عن هذه المصطلحات الثلاثة: (وحدة الوجود، الاتحاد، الحلول) والتي تقلدها وتزعم القول بها بعض غلاة المتصوفة وغيرهم ممن انتسب للملة، فضلاً عمن قال بها من أصحاب الملل الأخرى، وجعلوها أصولا في عقيدتهم، إلا أن التحديد الدقيق لمعاني هذه المصطلحات وبيان ما بينها من اشتراك وافتراق لم يخل من بعض الغموض والصعوبة في التصور، بل هم أنفسهم يقرون بأنه معتقد مناقض للعقول يصعب ضبطه وفهمه، وهذا يستلزم العلم ببطلان معتقدهم، لما يلزم عليه من المحالات، ولما فيه من مخالفة للبدهيات.
ولهذا تجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: “اعلم أن المذهب إذا كان باطلاً في نفسه، لم يمكن الناقد له أن ينقله على وجه يُتصور تصورا حقيقيا، فإن هذا لا يكون إلا الحق، فأما القول الباطل فإذا بُيِّن فبيانه يُظهر فساده، حتى يقال: كيف اشتبه على أحد”اهـ! .
وفيما يلي محاولة لكشف شيء من هذا الغموض، بدأته ببيان المعنى اللغوي لهذه المصطلحات، وأتبعته بالمعنى الاصطلاحي، ومرادفات هذه المصطلحات، ثم الفرق بين هذه الأصول الثلاثة، موضحا ومستشهدا بأقوالهم في ذلك.
الأصل الأول: ( وحدة الوجود )

معنى وحدة الوجود

• الوحدة: لغة مصدر الفعل “وحد” أي بنفسه. بفتح الواو: الانفراد. وهي ضد الكثرة .
– قال ابن فارس: الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد، من ذلك الوَحْدَة.
ويقال: رأَيته وحدهَ وجلس وحده أَي: منفرداً، وتَوَحَّدَ برأْيه: تفرّد به.
ووَحَّدَ الشيء تَوْحِيداً: جعَلَه وَاحِداً وكذا أَحَّدَهُ. .
ووحدة الشيء: جعله واحداً، والواحد: المنفرد بذاته في عدم المِثل والنظير .
– والوجود: الثبوت والحصول، مصدر من وُجد الشيء، يطلق الوجود على الظَّفر بالضالة وإدراك المطلوب، ويطلق أيضاً على الوصف الذي تشترك فيه الكائنات فيميزها عن المعدومات .
– فهو بمعنى التحقُّق والحصول والثبوت والكون، وهو خلاف العدم ، ومعنى الوجود أبين من أن يُعَرَّف، لوضوحه وبداهته.
– قال ابن منظور: (وُجد الشيء من العدم فهو موجود) .
– وفي المصباح المنير: (الوجود: خلاف العدم) .

في الاصطلاح:

• وحدة الوجود: مذهب فلسفي صوفي لا ديني يوحد بين الله والعالم، ولا يقر إلا بوجود واحد هو الله، وكل ما عداه أعراض وتعينات له . وأن وجود الكائنات عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتَّة .

– والمعنى: تأليه كل مظهر من مظاهر الحياة باعتبارها تجليات وتعينات للخالق وبصورة أوضح هو أن الله تعالى والعالم شيء واحد! أو بمعنى آخر إلهية المخلوق. يعني”أنه ليس في الوجود إلا واحد هو الله، وكل ما يري هو أجزاء منه تتعين بأشكال مختلفة، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهما وهن والأرض والشمس والقمر والنجوم والملائكة والجن، بما في ذلك الشياطين والحيوانات والحشرات” . تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
• أسماء واصطلاحات وحدة الوجود
يقول شيخنا محمد بوخبزة : ومن المهم التنبيه على تنوع أساليب ابن عربي في التعبير عن وحدته، وتسميتها بأسماء مختلفة، فكثرة الأسماء لا تدل على تعدد المسميات، لأن الحقيقة الكلية واحدة وهي الوجود الأول والأخير، والإنسان الكامل، وحقيقة الحقائق، والمادة الأولى.. إلى نحو عشرين اسما تطلق بعبارات مختلفة، والأصل واحد كما قال شاعرهم: [الطويل]

عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير

وكما قال الشيخ محمد الحراق التطواني: [الخفيف]

حكمة الشــرع أثبتتنيَّ لما سمَّتِ الكون كله بأسـامي

ونفى جملتي انفرادُك بالذات والأسمـاء والنعوت العظام

ومن الأسماء والاصطلاحات التي أطلقها المتصوفة على وحدة الوجود: التوحيد والفردانية والمشاهدة والشهود والفناء والحقيقة والتحقيق والجمع وجمع الجمع والإحسان.
تلك بعض الاصطلاحات والأسماء التي استخدمها الصوفية للدلالة على وحدة الوجود، وهي كما ترى تدل على معان متقاربة، أو متفقة .
وقد جمع الهيتي أسماء كثيرة لوحدة الوجود في عبارة واحدة، فقال: (من كوشف بالحقيقة، أو شاهَد الحق، أو اختطِف عن مشاهدة الخلق، أو استُهلك في عين الجمع، أو لم يشهد سوى الحق تعالى، أو لم يحس سوى الحق، أو هو محو في حق الحق، أو مُصطَلِم فيه بسلطان الحقيقة، أو مُتَجلّ ٍ له الحق بجلال الحق، إلى آخر ما يُعبَّر عنه مُعبِّر، أو يشير إليه مشير، أو ينتهي إليه علم، فإنما هي شواهد الحق، وحق من الحق..) .
وقد نقل القول بوحدة الوجود عن كثير من علماء التصوف وفي مقدمتهم ابن عربي والحلاج وعبد الكريم الجيلي وابن سبعين وابن الفارض وغيرهم من غلاة المتصوفة. ويعتبر ابن عربي من كبار المتصوفة الذين تفانوا في بيان مفهوم وحدة الوجود، والرجل الوحيد الذي فاق من سبقه ومن لحق به ومن عاصره في توضيح هذه العقيدة الإلحادية، ويلاحظ هذا كل من يقرأ كتبه مثل (فصوص الحكم ) و(الفتوحات المكية) ولا تسل عن الكتابين من شطحات، إذ يفسر النصوص القرآنية والحديثية حسب هواه المتوافق مع فكرته التي استوردها من وثنيي اليونان والهنود.
– قال شيخنا محمد بوخبزة: “يرى القارئ أن فلسفة ابن العربي الحاتمي في كتابيه (الفتوحات المكية) و(فصوص الحِكم) مبنية على وحدة الوجود وأن هذه الكلمة مع كلمتي (الاتحاد) و(الحلول) تشيع في كتب هذا القبيل من متصوفة الفلاسفة، وقد كثر الخوض فيها، والسؤال عن معانيها، واختلفت أقوال شارحيها، حتى أفردت بالتأليف، من عبد الغني النابلسي إلى البهاء العاملي وغيرهما؛ وقد انتهى المطاف بجمهورهم تهويلا وتعمية، إلى أنها لا تفهم بالعبارة وإنما بالذوق، فأحالوا عباد الله على مجهول غير معين، كما ترى عند النابلسي في (بذل المجهود) والتيجاني في (جواهر المعاني) وأبي البيض -الغماري- (جؤنة العطار 1/123) وأشار إليه أحمد ابن عجيبة في كتبه، وخصوصا كتابه (إيقاظ الهمم لشرح الحكم). وتفسيره (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد). وأكده من المعاصرين أبو البيض أحمد بن الصديق كما أشرنا.
والحق أن كلامهم تهويل، وينطوي على إرهاب فكر، يتمثل في تهديد من يحاول الرد عليهم، وتسفيه رأيهم الأجنبي عن الإسلام” اهـ.
يتبع ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *