أنصار مولاي عبد الحفيظ قالوا عنه بعد توليته: (سيكون مولاي حسن آخر، أو مولاي إسماعيل جديد)، وأجابهم خصومه: (تريدون إيجاد ما لا يوجد، التجار الأوربيون ينتشرون فوق تراب المغرب مثلما تم في الشاوية وبني يزناسن، حيث تم خلخلة تماسك الإيالة من أجل رقعة لهذا النوع يمكن تجمعه نحو الغرب. عقد الجزيرة يمثل عرقلة متماسكة لإضعاف قوات السلطة، ثم هناك الاتفاق الفرنسي الاسباني، والفرنسي الألماني، والفرنسي الانجليزي، لقد اصطدم المخزن بسياسة فرنسا شمال إفريقيا التي شرع في اختبارها بالمغرب بتفوق)، واجتمعت الشكوك على (أن السلطان ومخزنه سيصير قويا وضعيفا بالتناوب لكن فجأة سيصير حرا ولن يقوى أحد على التفاخر بمقاومة أي كان إذا ما تم الدخول الآن معه في مجال محادثات غير مجدية).
وفي الأخير هنا تعاد جميع الأسئلة: سلطان المغرب مولاي عبد الحفيظ يمكن القول ببساطة أنه كمحام يترافع عن سبب أو كأنه سبب وراء المحاكمة بالنسبة للحالة الأولى، المترافعون بين المطالبين والمدافعين demandeur et celles du defendeur يتخوفون من عدم التوصل إلى حل في النهاية، بالنسبة للحالة الثانية المشبوه معروف ومحكوم بخطئه وتجب إدانته وتنفيذ الحكم عليه.
أول مخالفة تلك التي توضع بقوة لحد الآن ويتواصل الدفاع عنها في التقارير اليومية لمولاي عبد الحفيظ مع فرنسا واسبانيا وأوربا.
العاهل المغربي لحد الآن في مسألة الصناعة يرى أن هناك صعوبات مع العمال والمصانع وجهات أخرى تكون ذراعا قوية لمخالفة محتملة مدة أقلها حياة إنسان، تنفيذ الأشخاص للأوامر بمعاملهم واسترداد أرباح تلك المعامل فقط ما يقلق بجد (ليس هذا قلب الحاضر، مولاي عبد الحفيظ لا يريد للوضعية أن تنتهي يوما من الأيام، لقد رأيناه يتخلص من العقبات التي وضعها خصومه الداخليون بفضل حظ خارق، جند الريسوني ضمن كبار قياد الشمال، قهر الهيجان الشعبي في الغرب وبني احسن، واحتجز أخوه مولاي مْحمد، واعتقلوا الكتاني أثناء فراره، وروع مولاي الكبير وأخمد ثورته الضعيفة، وتغلب على بني مطير، وألقى القبض على بوحمارة عدو العرش منذ سبع سنوات، وأثار انتباهنا في مداراة مباشرة للقوات الحية في الجنوب؛ الكلاوي، سي عيسى بن عمر، ولمتوﯖـي يستمعون له بعطف ورضا، لكن دون مشاركة مولاي رشيد وماء العينين الذي يقترح أفكار الحرب المقدسة في شرق تافيلالت وموريطانيا، كل هذا تم في سنوات قليلة.
القوات الفرنسية فرضت بقوة السلاح تواجدها في تخوم الشاوية وأسفل ملوية إلى خمسين كيلومتر من الأطلس وتافيلالت، وأيضا ستين ألف رجل من القوات الاسبانية بالرغم من مقاومة صلبة للريفيين تمكنت من كنس سهل كبدانة من الخارجين، شيئا فشيئا بدأنا نتردد في الاعتقاد بأن مولاي حفيظ استطاع أن يقيم سلطانه على قواعد صلبة وينشئ حكما قويا في شمال المغرب مما جعلنا أيضا نرى أن ما بقي من توهم بأن العاهل المغربي يبحث عن رعاية أوربية، فقد قبل بارتياح تطبيق شروط عقد الجزيرة، وشعرنا بأن عقليته تنبئ عن فضاضة وتغطرس وأن هذا الأمير لم يتوصل إلى الدواعي الحقيقية لأوربا وأن رغباته الخاصة هي أن يقيم في البلاد سلطة مستبدة تحكمية مثل التي كانت في القرن السادس عشر.
مولاي عبد الحفيظ أنجز صفقة ناجحة مع أوربا متهاونا في امتصاص فرنسا وأوربا فقد كان يضرب كما اتفق في بلاد المخزن مقطعا فيها جميعا كلما أراد الإصلاح دون سلطة مؤكدة، المعاملات تكون أحيانا قاسية والعقوبات المتخذة غير عادلة وظالمة، القياد أخذوا يهتمون بقوة في علاج داخلي علاج بنفس العقلية التحكمية في الشركاء الفلاحيين الأوربيين ووضع المحميين الفرنسيين في السجون بل إن القناصل لم يعد يأبه بكلامهم ولا يستجاب لما يرفعونه من تظلمات.
الاستياء عام محقق بين الأهالي في كل شمال المغرب لكن بمقدار أن السلطان ماسك بزمام الأمر فإن الاستياء سيبقى مسيطرا عليه، فالمغاربة خرافيون وقدريون.
منذ أن قبض على الروكي واختفى أنصاره وجهت انتقادات إلى السلطان وعادت بعض القبائل لحمل السلاح من أجل إبعاد قائد أو دفع الضرائب، لكن في الجملة يبقى توحيد بلاد المخزن يبدو أكثر صلابة من حيث التشكل والسيادة وأن السلطان راض بعمله لا ينتظر إلى نهاية عمليات اسبانيا حول مليلية وعيد الفطر ليذهب إلى الرباط ومنه إلى مراكش، إذ منذ سنة والشمال يقدم الإعانات المالية المهمة والآن يريد الذهاب للمورد المتخلى عنه في الحوز والجنوب بعدما انتهى من أمر بوحمارة ويمكن أن يترك خليفة له على فاس دون أن يخشى شيئا، عندما كان ضعيفا تحادث مع القبائل المجاورة للعاصمة المطوقة من بني مطير والروكي، وبعدما صار متفوقا على كثير من الطامعين أصبح صامدا ممتنعا على أوربا، وبعث في وقت لاحق بحل للمسائل التي تهدئ فرنسا وأبعد دون تحفظ ممثلي اسبانيا، وفتح أجوبة عامة فيما يتعلق بالمطالب الأوربية تؤدي إلى نتائج جديدة تبعد احتمالات الصدام وتعطيهم مجالا للحصول على امتيازات يريدونها بالمغرب في مجال الأشغال العامة، أما فيما يتعلق بالدين العمومي فقد تفحصه من زاوية خاصة هدف من ورائها الفوز من فرنسا بالجلاء مستقبلا عن الشاوية وبني يزناسن بشروط تكون مؤكدة بالموافقة المتبوعة بقرض نقدي، واستمرت المجادلة طيلة شهر يبراير الأخير ولن تتوقف إلا يوم تبسط حضارتنا جناحها وقوة شمال إفريقيا في مواجهة تحفظات ومماحكات ملك أسود en face des seticences et des chicanes d’un roi négre .
صنوف العذاب والتنكيل التي تعرض لها سجناء الروكي أعطانا فكرة على مستوى العقلية والرؤية التي عند مولاي عبد الحفيظ، فالمحادثات إذا كانت ستستمر على مستوى المساواة، يجب أن لا تكون مرهونة فقط على النتائج، لأنها لن تكون محترمة لا بالنسبة لفرنسا ولا بالنسبة لأوربا باعتبارنا كلنا وكلاء.
السلطان وقد أصبح مدعوما بآخر نجاح صار مزهوا بسلطانه وأصبح يعطي أقل كما كان دوما للملتمسين والملحين، ولن يعطي أبدا إلا بالتهديد إذا كان هذا التهديد غير متبوع بالإذعان، نبحث عن الوصول إلى الهدف الذي تمليه سياستنا بإفريقيا الشمالية، إذا كنا لن نصل إلى تجريد حقا على مولاي عبد الحفيظ، فإن تلك السلطة ستكون متوقفة على ما تمليه مصالحنا الخاصة مما يتعارض مع الاتفاقات الأوربية مع عقد الجزيرة.
ص:242، 1909 إفريقيا الفرنسية