يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى من أهمها الحلول والاتحاد ووحدة الوجود؛ حيث لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن جميع الخلائق في نظرهم خرجت من مزجة واحدة، أو بمعنى آخر: أن الوجود كله وحدة واحدة فلا خالق ولا مخلوق، الكل عين واحدة، وحقيقة واحدة تعددت وجوداتها، وتغيرت صفاتها ولكنها شيء واحد فالجنة والنار، والرسل والشياطين، والمؤمنون والكفار، والطهارة والنجاسة، والشرك والتوحيد.. شيء واحد وذات واحدة.
فليس من الضروري -حسب زعمهم- إلى وجود تناقضات داخل الطبيعة الكونية الواحدة. فالخلائق جميعها هي وحدة متكاملة تسير وفقا لقانون جبري محكم لا وجود فيه لمظاهر الشر والخير والطاعة والعصيان، وبناء على هذه العقيدة رفع المتصوفة إبليس إلى مقام أفضل الخلق وأكملهم إيمانا، كونه كان أفضل الموحدين وأكمل العباد وأفضل الخلق وبطلا تزعم ثورة السماء، لأنه اهتدى إلى معرفة الحقيقة كاملة عندما رفض السجود لغير الله بزعمهم، وأن الله قد غفر له ذنوبه وأدخله الجنة.
ولأن كل ما في الوجود هو الله، حقت له بذلك العبادة، فمن عبده فقد عبد الله. ويبدو أن رأيهم هذا لا يتناقض مع آراء سابقة تقول أن من عبد حجرا أو حيوانا أو جمادا… فقد عبد الله.
ومن أبرز وأجرأ شخصيات التصوف التي دافعت عن هذه العقيدة الباطنية الفاسدة: الحسين بن منصور الحلاج وابن عربي، والجيلي.. فلا يعتبرون الشيطان قد طرد من رحمة الله ولا هو من أهل النار ولكنه تاب وصار من أهل الجنة.
يقول الحلاج في كتابه الطواسين 1 معربا عن عقيدته الباطنية الخبيثة:
طاسين الأزل والالتباس:
في صحة الدعاوى، بعكس المعاني – قال العالم السيد أبو المغيت قدس الله روحه: ما صحت الدعاوى لأحد، إلا لإبليس وأحمد صلى الله عليه وسلم، غير أن إبليس سقط عن العين، وأحمد صلى الله عليه وسلم كشف له عن عين العين.
قلت: في كلام الحلاج هذا نجده يزعم بأن أعبد الناس هو إبليس والرسول صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف ينظمها عدو الله في سلك واحد، مستدل على ذلك بأن إبليس أمر بالسجود فلم يسجد، والذي منعه من ذلك هو مشيئة الله فيه وجبره له، وتحققه أن لا موجود إلا هو، وأن القرب والبعد من الرب واحد؛ لأنه ليس على الحقيقة إلا الله، وأن إبليس قد كان داعيًا للملائكة إلى المحاسن، بإقامة الله له، وفي الأرض إنما هو داع إلى القبائح، وما هو في الحقيقة إلا قائم بمراد الرب ومشيئته فتنبه أيها اللبيب لهذه الزندقة.
[يقول صاحب كتاب كشف القوانين الموضحة لألغاز الطواسين محيي الدين الطعمي معلقا على هذه العبارة: وقدم ها هنا إبليس على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكون إبليس أسبق في الظهور الشهودي وإن كان محمد عليه السلام أول التعيينات الإطلاقية إلا بدائية فلا سابق له أبدا في البروز الأولى. والاثنان صدرت منهما الدعوى وصحت لهما في الصدور. فأما محمد في دعواه فنجح في الاختبار وكشف له عن عين العين، وأما إبليس فأخفق 1وسقط عن عين الله والاثنان لم يكن لهما إرادة سوى العين الإلهية وهذا له علة ستظهر بعد ].
قيل لأبليس “اسجد” ولأحمد “أنظر” هذا ما سجد، وأحمد ما نظر، ما التفت يمينا ولا شمالا، “ما زاغ البصر وما طغى” أما إبليس فإنه دعا، لكنه ما رجع صلى الله عليه وسلم حوله وأحمد صلى الله عليه وسلم ادعى، ورَجع عن حَوْلهِ بقوله: “بك أحُول وبكَ أصُول” وبقوله: “يا مقلب القلوب” 3وقوله: “لا أحصي ثناء عليك” .
قلت وهذا دليل آخر ساقه الحلاج، فهو قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): “بك أحُول وبكَ أصُول” ومراد رسولنا صلى الله عليه وسلم هو قوله عليه الصلاة والسلام: لا حول ولا قوة إلا بالله، فليس بمقدور أحد أن يفعل خيرًا، أو يوفق إلى خير إلا بحول الله وقوته، ولكن الحلاج قلب هذا المعنى إلى عقيدته الخبيثة في الرب جلا وعلا، وجعل معناها أن الرسول قال ذلك لأنه كان متحققًا أنه هو هو، أي أنه هو الله .فاللهم سلم سلم.
وللبحث بقية نرجئها إلى العدد القادم بحول الله.
———-
– كتاب الطواسين للحلاج ص 28 ومعه كتاب كشف القوانين الموضحة لألغاز الطواسين لمحي الدين الطعمي، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة .
قلت: الطواسين :هذا الكتاب هو الأثر النثري الفريد للحلاج وقيل أنه كتبه أثناء سجنه وقام تلاميذه ومريديه بتهريبه ونشره
واسمه بالكامل الطواسين و. بستان المعرفة.
– وكلمة “طواسين” مفردها “طاسين” وليس لها معنى لغوي معروف ولكن بالعودة إلى مشكلة اللغة عند الحلاج
ندرك أن كلمة طاسين مأخوذة من “طس” التي هي أحدى فواتح السور الواردة في القرآن الكريم مثل “طس- ألم-
حـم” وغيرها ولا يدري أحد لماذا اختار الحلاج هذه الفاتحة عنوانا لكتابه أو ما هم المقصود منها.
وكتاب الطواسين: مؤلف من 11 طاسين هي كالتالي: طاسين السراج، طاسين الفهم، طاسين الصفاء، طاسين الدائرة، طاسين النقطة، طاسين الأزل والالتباس، طاسين المشيئة، طاسين التوحيد، طاسين الأسرار في التوحيد، طاسين التنزيه، طواسين الحادية عشر.
وبعض هذه الطواسين تحتوي رسوم هندسية وحروف وإشارات لا يدركها أو يعرف مكنوناتها أحد. والطواسين عبارة عن عبارات وكلمات أدبية مصفوفة لا يستطيع أحد إدراك معناها وفهمها.
——————-
1 – كتاب الطواسين للحلاج ص 28 ومعه كتاب كشف القوانين الموضحة لألغاز الطواسين لمحي الدين الطعمي، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة .
قلت: الطواسين :هذا الكتاب هو الأثر النثري الفريد للحلاج وقيل أنه كتبه أثناء سجنه وقام تلاميذه ومريديه بتهريبه ونشره
واسمه بالكامل الطواسين و. بستان المعرفة.
– وكلمة “طواسين” مفردها “طاسين” وليس لها معنى لغوي معروف ولكن بالعودة إلى مشكلة اللغة عند الحلاج
ندرك أن كلمة طاسين مأخوذة من “طس” التي هي أحدى فواتح السور الواردة في القرآن الكريم مثل “طس- ألم-
حـم” وغيرها ولا يدري أحد لماذا اختار الحلاج هذه الفاتحة عنوانا لكتابه أو ما هم المقصود منها.
وكتاب الطواسين: مؤلف من 11 طاسين هي كالتالي: طاسين السراج، طاسين الفهم، طاسين الصفاء، طاسين الدائرة، طاسين النقطة، طاسين الأزل والالتباس، طاسين المشيئة، طاسين التوحيد، طاسين الأسرار في التوحيد، طاسين التنزيه، طواسين الحادية عشر.
وبعض هذه الطواسين تحتوي رسوم هندسية وحروف وإشارات لا يدركها أو يعرف مكنوناتها أحد. والطواسين عبارة عن عبارات وكلمات أدبية مصفوفة لا يستطيع أحد إدراك معناها وفهمها.
2- نفس المرجع السابق ص 28.
3 – نفس المرجع السابق ص 28.