من السمات البارزة التي اتصف بها الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم ويتبادلنونها مع بعضهم البعض: التراحم والرحمة, مما يدل على قوة إيمانهم وصدق محبتهم في الله ولله جل وعلا.
قال تعالى: “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ”.
قال القرطبي رحمه الله: “أي: يرحم بعضهم بعضا, وقيل: متعاطفون متوادون” الجامع 11/248.
وقال السعدي رحمه الله: “(رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) أي: متحابون, متراحمون, متعاطفون كالسجد الواحد.
يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه هذه معاملتهم مع الخلق” تيسير الكريم الرحمن 5/62.
والرحمة كما قال الكفوي رحمه الله في الكليات 2/376: “حالة وجدانية تعرض غالبا لمن به رقة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفساني الذي هو مبدأ الإحسان”.
فهي دليل على سعة الصدر, ورقة القلب, ومحبة الخير للناس, وسمو النفس, والرجل الذي تسموا نفسه إلى معالي الأخلاق يعرف الحق ويرحم الخلق.
وقد تلقى الصحابة رضي الله عنهم هذه الصفة الجليلة والخصلة الحميدة من نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عز وجل في حقه: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”.
قال القاضي عياض رحمه الله: “قال أبو بكر بن طاهر: زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة, فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق, فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب, ألا ترى أن الله تعالى يقول: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”.. قال السمرقندي: رحمة للعالمين: يعني للجن والإنس.
وقيل: لجميع الخلق, للمؤمن رحمة بالهداية, ورحمة للمنافق بالأمان من القتل, ورحمة للكافر بتأخير العذاب” الشفا 1/19.
وقد تراحم الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم لعلمهم بأن “الرحمة سبب واصل بين الله وبين عباده بها أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم كتبه وبها هداهم, وبها أسكنهم دار ثوابه, وبها رزقهم وعافاهم” بصائر ذوي التميييز 3/55.
كما علموا أن “الشريعة كلها مبنية على الرحمة في أصولها وفي فروعها, وفي الأمر بأداء الحقوق سواء كانت لله أو للخلق.. فقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق, وقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفقون من الخلق” الرياض الناضرة 61 بتصرف يسير.