واحة الأدب

شرح المشكل من شعر المتنبي

) سَلَكتْ تَماثيل القِبابِ الجنُّ منْ … شَوق بها فأدَرْن فيك الأعْيُنا)

أي سلكت الجن صور القباب، لتنظر إليك شوقاً، وإنما قال: (تماثيل القباب) ولم يقل (القباب)، لأنهم يزعمون أن الجن تألف التصاوير الموضوعة على أشكال الحيوان، وقد قيل: إنما كره اتخاذها في الثياب والمستور والبُسُط لهذا.

) وَعَجَبتُ حتى ما عجبتُ من الظُّبا … ورأيتُ حَتى ما رأيتُ من السَّنا)

الظُّبا: السيوف، والسنا: الضوء، أي عجبت من السيوف حتى أنستُ بالعجب، وأخلدتُ إليه، فلم أعجب بعد، ورأيت لمعانهن حتى عُشى بصرى فلم أرى، فصدر البيت كقول أبى تمام:

على أنها الأيام قد صِرن كلها … عجائب حتى ليس فيها عجائب

) فَطنَ الفؤادُ لما أتيتُ على النَّوى … ولِما تَركْتُ مَخافةً أن يَفْطنا)

أي لم تقتصر على العلم بما صنعتُ، حتى علمت ما تركته مخافة أن يفطن به، وقيل معناه: قد علمت ما كان من شكري وثنائي عليك، وهو الذي فطن فؤادك له، وكذلك فطن أيضا لما تركته؛ خوفاً أن يفطن له، من تَنَقُّصك أيضا، فلو لم يكن تركي لذلك إلا مخافة أن يفطن فؤادك له، فكيف وطبيعتي فيك خلافُ ذلك، والبيت يقتضي أنه قد كان هنالك شيء من الإخلال بقدر بدر بن عمار، ويقويه قوله:

)أضْحَى فراقُك لي علَيهِ عُقوبة … ليس الذي قاسيتُ شَيئاً هَيِّناً)

أي عُوقبت على تقصيري عن واجبك، بفراقك الشديد على الكُره إلي، فليس الذي لاقيته من ذلك بهين، أي بيسير، ولا يريد الهين الذي هو ضد العزيز.

وله أيضا:

)يَتَداوى من كثرة المال بالإقْ … لالِ جُودا كأن مالاً سَقَامُ )

أي يتشافى بالجود، حتى كأن المال مَرضُ يبغى إزالته، والإقلال بُرء يطلبه.

وقوله (كأن مالاً سَقَامُ) أراد كان وجود مال، لأن المال لا يقال له سقام إذ هو جوهر والسقام عَرَض.

) حَسَنٌ في عُيونِ أعدائه أقْ … بَحُ من ضَيفهِ رَأتْهَ السوامُ)

أي هو حسن الصورة غاية إلا في عيون أعدائه، لعلمهم بإهلاكه إياهم أقبح من ضيفه في عيون السوام، لعلمها إذا رأت الضيف أنها منحورةٌ، كقول الشاعر:

حبيبُ إلى كلب الكريم مناخُهُ … بَغِيض إلى الكَوْمَاء والكلب أيصرُ

ومثله كثير. فقوله: (في عيون أعدائه): ظَرف لأقبح، ولا يتعلق بحن، لأنه في عيون أعدائه. وتقدير البيت: حسن في عيوننا معشر أحبابه ومن لا يَشْقى به، لكنه بخلاف ذلك في أعين عداه. وقد بالغ بالقُبح ولم يبالغ بالُحسن، لأن قبْحه في عيون أعدائه، وأمدح له من الحسن في عيون أحبابه.

) وَعَوارٍ لوامعٌ دَمُها الحِلُّ … وَلكنَّ زِيها الإحْرَامُ)

اللوامع: السيوف لبريقها، ووصفها بالعرى: لاعتيادها مفارقة أغمادها.

وعوارٍ: جمع عار، لا جمع عُرْيان فُعلان لا يكسر على (فواعل)  (دمُها الحال): أي أنها مستحلة للدماء، على أن زيها الإحرام: أي أنها مجردة أبداً كالُحرم والمحرم لا يسفك الدماء، فقد اجتمع في هذه السيوف طبيعة الحل وزيُّ الإحرام.

وصايا الملوك

وصية زيد بن كهلان

قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن ثور بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان خرج إلى الأحقاف، وملكها، وأخذ الإتاوة من أهلها، وكتب كتاب ولايته على جبل من جبالها، فيقال: إن ذلك الكتاب إلى اليوم بيّن ظاهر، يقرؤه من يجيد كتابة الأوائل. ويقال: إن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان لما توفي أيمن بن الهميسع وولي الأمر بعده ابنه زهير بن أيمن أقبل على ابنه الغوث بن نبت بن مالك، وكان كاملاً في كل أحواله من الشجاعة والفطنة والرأي الثاقب، فقال وهو يرثي أيمن بن الهميسع:

قضى نحبَهُ بعدَ الهميسعِ أيمنٌ … وأيمنُ فاعلَم خَيرُ حَيٍّ وهَالِكِ

وُكُلُّ امرِئٍ لا شكَّ يُقضَى قَضَاؤهُ … ويُسقَى بكأسِ النازِلِ المُتداركِ

فشِبهُ بنِي الدُّنيا إذا ما جهِلتهُم … كتِلك النُّجُومِ التَّالياتِ الشَّوابكِ

فمَنْ بينِ بادٍ لاحَ عِندَ طُلُوعِهِ … ومِنْ آفلٍ دانٍ وهاوٍ وسامِكِ

وكُلٌّ لهُ نُورٌ على قدرِ ذاتِهِ … وسُلطانِهِ عندَ اختلافِ المسالِكِ

فيا غوثُ لا تَنسَ الوصايا الَّتي بِها … خَصَصتُكَ يا غوثَ بن نبتِ بن مالِكِ

تُطِيعُ زُهيراً مثلَ ما كُنتُ لم أزَلْ … أُطيعُ أباهُ أيمنَ بنَ الملائِكِ

أطعتُ ووافتِني الإتاوةُ جَهرةً … مُعَكَّمةً فوقَ المَطِيِّ الرَّواتِكِ

بُنيَّ عرفتَ الرُّشدَ فاتبع ضياءَهُ … مَدَى الدَّهر واسلُكْ في الأُمورِ مسالِكي

أمثال العرب

عش رجبا تر عجبا.

زعموا أن الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة طلق بعض نسائه بعد ما أسن وخرف، فخلف عليها من بعده رجل كانت تظهر له من الوجد به ما لم تكن تظهره للحارث بن عباد، فلقي زوجها الحارث بن عباد فأخبره بمنزلته منها، فقال له الحارث: عش رجبا تر عجبا، فأرسلها مثلا.

خيل بني وائل

فرس جابر بن حني التغلبي: زيم، قال:

هذا أوان الشد فاشتدي زيم

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر وضم

مهفهف الكشحين خفاق القدم

أبرهة بن عمير بن كلثوم، فرسه: المذهب، قال فيه:

لقد زان خيل التغلبيين مذهب … كما زانه يوم الكريهة فارسه

عبد يغوث بن حرب، فرسه: الصريح، قال الأخطل فيه:

وأولاد الصريح مسومات … عليها الأسد غضفاً والنمار

عمرو بن جبلة اليشكري، فرسه: العلاة، قال فيها:

علام طردت رمح أبي شريح … وأحدثت الأقيصر بالصقال

والأقيصر: سيفه.

وداويت العلاة دواء مسك … ولم أظهر بها عام المحال

دواء مسك: أي كما يداوى الإهاب. ولم أظهر بها: أي لم أضيعها

لججنا لا أبا لكم فلجوا … ولا مردودة أخرى الليالي

نافع بن عبد العزى بن خواص بن مالك بن ربيعة بن عامر بن جهيل بن ثعلبة بن غبر بن غنم، فرسه: الزرقاء يقال له: فارس الزرقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *