توالت التوقيفات بحق عدد من الخطباء والأئمة، من طرف وزارة الأوقاف، من وجهة نظر حقوقية ما تعليقكم على توقيفات كهذه تتم بجرة قلم وبطريقة مزاجية كما يصفها البعض؟ ولماذا نرى تجاهلا لحقوق هذه الشريحة، من طرف كثير من الجهات الحقوقية؟
د. محمد حقيقي (المدير التنفيذي للرابطة العالمية للحقوق والحريات وممثلها بالمغرب)
التوقيفات التي طالت عددا من الخطباء والأئمة غير بريئة وتتعارض مع الضمانات القانونية لحقوق المعنيين، وهي توقيفات في الجملة غير معللة، وتعتبر شططا في استعمال السلطة. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية بخصوصها:
– جرت هذه التوقيفات دون الخضوع لمسطرة قانونية واضحة، وفي غياب أي إشعار بالخطأ أو التجاوز أو التعليل الذي تأسس عليه قرار التوقيف.
– لم يتم الاستماع إلى المعنيين من طرف أي لجنة علمية محايدة مهمتها تقييم خطبهم، والنظر في المخالفات، لمعرفة مدى مخالفتها للمعايير “الدقيقة” المحددة من طرف الوزارة، حيث لا يمكن للوزارة أن تكون خصما وحكما في ذات الوقت ضد الأئمة والخطباء. وذلك لضمان حق المتضررين من الطعن في قرار التوقيف أمام القضاء.
– غياب قوانين منظمة واضحة، تمكن الخطباء من معرفة حدود الكلام المباح، وتلزمهم بالتقيد بمضامين أو مواضيع معينة (دليل الإمام)، من أجل حمايتهم من مزاجية الإدارة ومندوبي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.-
غالبا ما تلجأ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في اتخاذ قرارات التوقيف إلى تقارير “أعوان السلطة” الذين قد تعوزهم بعض المهارات في فهم المقاصد والدقة في الرصد والمراقبة.
-عدم احترام المساطر الإدارية المعمول بها في المحاسبة من خلال استدعاء المعني بالأمر والاستماع إليه مع تحكيم المجالس العلمية، والتدرج في تنبيهه وإنذاره أو عرضه على مجلس تأديبي، قبل اتخاذ الإجراء المناسب في حقه.
– من الناحية القانونية ينص الظهير الشريف المتعلق بتنظيم مهام القيمين الدينين وتحديد وضعياتهم، على إمكانية تظلم الأئمة والخطباء إلى “اللجنة الوطنية للبت في شكايات وتظلمات القيمين الدينيين”، التي تناط بها مهمة النظر في الشكايات والتظلمات المرفوعة من طرف القيميين الدينين، بسبب حيف أو ضرر لحقهم في علاقتهم مع إدارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلا أن التوجه لهذه اللجنة يسقط حق المتضرر في اللجوء إلى جهة أخرى، بحسب ما ينص عليه الظهير 1.14.104 الصادر في 20 ماي 2014. ورغم وجود هذه اللجنة إلا أن عددا من الخطباء تم توقيفهم بشكل تعسفي ودون مبررات واضحة.
-حرمان الخطباء من التعبير عن آرائهم مع استعمال الترهيب والتهديد بقطع أرزاقهم من خلال عملية التوقيف، الأمر الذي يحول دون قيامهم بدورهم في التأطير والتوعية.
ذ. محمد زهاري (رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان سابقا)
أعتقد أن الأئمة والخطباء يمارسون مهمة أساسية في التوجيه والوعظ والإرشاد، وهم بذلك يهتمون بالشأن الديني، ومن المفترض أنهم مروا بمراحل من التكوين والتدريب جعلتهم مؤهلين لامتلاك مهارات الإمامة والخطابة.
ومن المؤكد أن كفاءتهم “المهنية” تجعل منهم مؤهلين للقيام بمهامهم الدينية، والاستناد على المرجعية المستوحاة من القرآن والسنة واجتهاد العلماء، فيتناولون قضايا المواطنين وكيفية تعاملهم في الحياة اليومية داخل المجتمع، كما أنهم يوجهون النصح والإرشاد بخصوص الجزء المتعلق بالعبادات التي تنظم علاقة العبد بربه.
وهذا الدور لا يمكن بأي حال أن يكون تحت الطلب أو وفق ما تراه وزارة الأوقاف التي تعتبر جزءا من السلطة التنفيذية التي تريد توجيه الحقل الديني وفق ما تشتيه أو حسب ما يخدم مصالحها وبرنامج عملها في السياسيات العمومية المرتبطة بالدين.
الخطباء وخاصة خلال صلاة الجمعة يهيئون خطبهم، ويبحثون في السند، ويقدمون الحجج الشرعية لأفكارهم ومواقفهم، وبالتالي فهم يعبرون عن رأي مسنود بمرجعية دينية، وليس بالضرورة أن يتبنى الإمام أو الخطيب الموقف الرسمي لوزارة الأوقاف. فالأمر هنا هو أن يرضي ضميره وينقل بأمانة ما يقدمه من توجيه وإرشاد للمصلين.
لهذا اعتبر أن ما تقدم عليه وزارة الأوقاف من قرارات غير مبررة بإعفاء أئمة بسبب التعبير عن آراء مستندة إلى المصادر الشرعية، تعتبر قرارات تعسفية تجهز على حقهم في العيش الكريم رفقة أفراد أسرهم، وتؤكد أن وزارة الأوقاف تريد ممارسة التضليل واعتبار الأئمة آلات ميكانيكية تردد ما ينتجه السياسي، وطرق فهم السياسي للشأن الديني.
وفي نظري يجب أن يأخذ هذا الموضوع حقه كذلك من عمل المنظمات الحقوقية لأن الأمر يتعلق بتعسفات تمارس على مواطنين مغاربة يمتلكون أحيانا الشجاعة للتعبير عن وجهات نظر بخصوص قضايا متعددة سواء منها الجزء المتعلق بالعبادات أو المعاملات.
ذ.عبد الله أفتات (صحافي والحقوقي)
إن هذه التوقيفات غير مقبولة بالمطلق، وما يجري هي محاولة يائسة لتكميم أفواه الخطباء والوعاظ، خاصة وأن بعض الحالات تم توقيفها بشكل غير مفهوم، وعلى ما يبدو فإن هذه التوقيفات تتم بشكل مدروس يظهر أن وراءها ما وراءها.
وعلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إعادة النظر في طريقة تعاملها مع هذه الفئة، والملفت أن ما يجري هو خارج اهتمامات الجمعيات الحقوقية التي لا زالت تلتزم الصمت حول هذه القضية، كما أن رد فعل الأطياف المجتمعية يمكن وصفه بالمحتشم، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام .