ظل إسلاميو تونس، عقودا من الزمن، في المنفى خارج تونس، لمّا كانت عيون زين العابدين بن علي تطاردهم في كل رقعة منها. دقت ساعة “الثورة” (كذلك سمّيت)، فوجدها إسلاميو حركة النهضة فرصة للعودة إلى الساحة السياسية كباقي التيارات التي فرِض عليها الحظر أو التجميد أو التضييق أيام حكم ابن علي.
شاركت “النهضة” في سياسات ما بعد الثورة، بل ترأست الحكومة وفازت بأغلبية البرلمان. سرعان ما هبت على تونس رياح ما سمي “الثورة المضادة”، فاضطرت تونس للتراجع عن رئاسة الحكومة، كما اضطرت بعد ذلك للتحالف مع الرئيس الراحل الباجي السبسي كرمز للعودة إلى “ما قبل الثورة”.
قدّمت حركة النهضة عبد الفتاح مورو، كمرشح ينوب عنها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لم تخوله الأصوات المحصل عليها لتجاوز المرحلة الأولى، فقررت النهضة دعم قيس سعيد في المرحلة الثانية. بدت العلاقة بين الغنوشي، رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي، وقيس سعيد، رئيس الجمهورية، علاقة منسجمة في البداية. إلا أنّ تحولات الواقع الإقليمي (الليبي خصوصا) ورهانات وتصورات كل منهما ستحول دون صمود انسجامهما الهش.
اختلافات وصراع على الوجود والتحكم بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، زادتها حدة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية في تونس، كما زكتها فوضى الحكم والنقاش السياسي تحت قناع “ديمقراطية هشة مصطنعة” بشهادة أصوات تونسية مستقلة.
هذا هو واقع تونس، ولكن هل يخول هذا الواقع لقيس سعيد تجميد عمل البرلمان وإقالة رئاسة الحكومة وتولي رئاسة النيابة العمومية وغيرها من القرارات التي أقدم عليها في إطار ما أسماه “تصحيح المسار”؟
هذا هو السؤال العريض الذي سيحاول هذا الملف الإجابة عنه.