انتبه يا عبد الله؛ فإنك في بيت الله (4)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ -أَوْ شَابًّا- فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِﷺ، فَسَأَلَ عَنْهَا -أَوْ عَنْهُ- فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا -أَوْ أَمْرَهُ- فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ ﻷ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ»([1]).
وقد بَوَّب عليه الإمام البخاري: “باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان”.
قال ابن حجر: “فإن قيل دل الحديث على كنس المسجد؛ فمن أين يؤخذ التقاط الخرق وما معه؟؟ أجاب بعض المتأخرين بأنه يؤخذ بالقياس عليه، والجامع التنظيف. قلت: والذي يظهر لي من تصرف البخاري أنه أشار بكل ذلك إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا ففي طريق العلاء المتقدمة كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد”([2])
وقال ابن بطال: “فيه الحض على كنس المساجد وتنظيفها؛ لأنه عليه السلام، إنما خصه بالصلاة عليه بعد دفنه لأجل ذلك”([3]).
فعلى القائمين على المساجد؛ من الإمام والمؤذن وقيمي النظافة، وكل الغيورين على بيوت الله، والمعظمين ولها والمحبين لها؛ أن يُسْهموا بكل وسيلة في نظافة المسجد، إما بمجهودات فردية أو حملات جماعية دورية، أو إسهامات مادية أو شراء الآلات والوسائل التي تستعمل في تنظيف المسجد فضلا عن التصرفات العابرة التي يقتضيها الحال أحيانا كما سبق من الإمام البخاري عليه رحمة الله، ولا ينبغي لأحد أن يوسوس له الشيطان والنفس الأمارة بالسوء فيحسب أو يظن أنه فوق هذه المهمة فإنها –والله- شرف وعز ومفخرة لكل مؤمن معظم لشعائر الله وبيوته.
قال ابن رجب ::” وكنس المساجد وإزالة الأذى عنها فعل شريف، لا يأنف منه من يعلم آداب الشريعة”([4])
بعض الأخطاء المتعلقة بنظافة المسجد:
- من ذلك إتيان بعضهم إلى المسجد، في ثوب مهنته، والحال أنه ربما أصاب الثوب بعض ما يتأذى به المصلون: إما زَهَمُ سمك أو لحم، أو نحو ذلك، أو دخان أو ما يصيب العمال في ورشات البناء أو الحدادة أو إصلاح السيارات من وسخ ونحوه… ولو قُدِّرَ أن أحدهم أراد زيارة قريب، أو عيادة طبيب، أو مراجعة إدارة، ونحو ذلك للبس لهذا المقام ما يناسبه… فكيف يرضون أن يدخلوا بيت ملك الملوك بما لا يقبلونه في بيوت الخلق وبناياتهم….
- من الناس من يملأ وقت الفراغ في المسجد بالعبث بجلده أو ظفره أو شعره أو ثيابه، فإذا اقتطع شيئا من جلد أو وسخ أو ثوب أو خيط؛ رماه في بيت الله عياذا بالله.
بل منهم من يحك أنفه ويبالغ -دون مراعاة لمقام المسجد وحرمته ولا مراعاة للذوق السليم- فإذا استخرج مخاطا يابسا أو شعرا أو نحو ذلك رماه في بيت الله.
- ومنهم من يأتي بالتمر للإفطار حال الصيام في رمضان وغيره ويرمي النوى أو قشرها في أركان المسجد وزواياه أو تحت الأفرشة.
- ومن الأخطاء إهمال تنظيف أفرشة المسجد وغسلها أو تغييرها بالجديد كلما دعت الحاجة لذلك.
- ومن الأخطاء إهمال القَيِّمِين على المسجد تنظيف مرافق المساجد وحيطانه وستائره ونوافذه…
- ومنها عدم نفض النعال من الأتربة، والغبار العالق بها، ما يدخلها للمسجد ويتسبب في اتساخها.
ومن الأخطاء ما يفعله بعض الناس من بسط السجاد الخاص بشدة، ربما انبعث معها بعض الغبار من فراش المسجد ما يؤذي المصلين وبخاصة من يعاني منهم من الحساسية.
———————————————- (يتبع)
([1]) رواه البخاري (460)، ومسلم (956) واللفظ له.
([2]) فتح الباري (1/553).
([3]) شرح صحيح البخاري (2/107).
([4]) فتح الباري لابن رجب (3/352).