أصبحت المحتويات الرقمية أداة مهمة للتواصل بين الأفراد والمجتمعات، وقد باتت اليوم مصدرا مهما للثقافة والتعليم، ووسيلة للحصول على المعلومات، وأداة للتعبير عن الرأي، فتربعت بذلك على عرش الفضاء الرقمي المفتوح.
ومن خلال هذه المحتويات الرقمية يمارس عدد من النشطاء والفاعلين حريتهم، دون رقيب ولا حسيب، وحيث إن المحتوى الرقمي ارتبط بالربح المادي فقد بات هذا الفضاء يعج بما تستقذره الأنفس، وما يهدد قيم وأخلاق المجتمع، ما يحتم علينا جميعا طرح سؤال الرقابة على المحتويات الرقمية.
تُعرف الرقابة على المحتويات الرقمية بالتحكم في النشر، والوصول إلى المعلومات على الإنترنت، عن طريق حجب المواقع المخالفة للقوانين، أو تطبيقات خاصة بالتواصل مثل واتساب، فيسبوك، تويتر، تليغرام، إنستغرام وغيرها.
وفي ظل الانفتاح الرقمي الرهيب باتت عدد من الدول تتحدث عن حتمية فرض رقابة على المحتويات الرقمية، لما لها من تأثير سلبي على المجتمعات أولا، وثانيا باعتبارها فضاء مجتمعيا، يضم ملايين المستخدمين، وكأي مجتمع فمن الضروري سن قوانين تنظيمية، وأخرى زجرية، حتى لا يترك هذا الفضاء مرتعا مباحا لكل أجد، وهذا ما اتبعته مجموعة من الدول، حيث قامت بسن قوانين تأطر المحتويات الرقمية، كفرنسا ومصر والإمارات وغيرها.
كما ستخول الرقابة على المحتويات الرقمية تقييد ومراقبة المحتوى المراد ترويجه، والذي يستهدف المشاهد، أو القارئ، سواء كان وطنيا أو وافدا، على المستوى المحلي أو القطري أو العالمي.
وقد أصبحت الرقابة على الإنترنت ضرورية، مع انتشار قنوات التفاهة التي تستهدف أخلاق النشء، وعقيدته وهويته، للحد أو منع أي ضرر يمكن أن يحدث، مما ينشر على الإنترنت من خلال المحتوى الرقمي الذي يمكن أن يكون له وقع سلبي على الأشخاص والمجتمعات.
وتزيد من إلحاحية الرقابة، وفرض قوانين تؤطرها، وتجرم المخالفات التي تتم على المستوى الافتراضي، اتساع رقعة الجرائم التي يتم تنفيذها عبر الشابكة، فالمراقبة مهمة لمحاصرة أي ضرر يأتي من جهة ما ينشر على الإنترنت، وذلك لأن المنشورات الرقمية سريعة الانتشار، وتستهدف الملايين بل الملايير من جهة أخرى.
وقد تعالت أصوات في المغرب بعد توالي الفضائح على المحتوى الرقمي، داعية لسن قوانين تأطر كل ما يروج عبر مختلف الوسائط والتطبيقات الذكية، وهذه القوانين لا ينبغي أن تكون مانعة للحقوق، بل مؤطرة، ومعاقبة لكل من خالف القوانين، فكيف سيتم ذلك؟
وحسب خبراء البرمجيات والخورزميات فأمر المراقبة الشاملة تواجهه صعوبات، لأن هناك تقنيات قادرة على الوصول لأي محتوى رقمي على الأنترنت سواء كان خاصا أو عاما، وحتى التقنيات المتوفرة والبرامج التي يمكن استعمالها مع المحتويات المكتوبة باللغة العربية، بسبب الاختلاف في الكتابة بين الفصحى والعامية، وكتابة العربية بالحرف اللاتيني، وهذا الأمر يحتاج إلى تقنيات جد متطورة ومكلفة.
لهذا يمكن أن تطور برامج موافقة للقوانين التي يجب تشريعها في هذا المجال لإخضاع المحتوى الرقمي للرقابة والتنظيم قبل أن يخرج على الإنترنت، ويتم نشره على نطاق واسع، ويصل إلى كل أرجاء العالم، لأن الضرر إذا وقع يصبح إصلاحه مكلفا، وفي بعض الأحيان قد لا يمكن إصلاح البتة.