عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم).
وعنه مرفوعا: “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر” (رواه مسلم، و أبو داود وذكره الألباني في الإرواء).
وهذا حديث صحيح صريح وجاء من ثلاث طرق غير طريق مسلم حتى قيل: أنه حديث متواتر.
واستحباب صيام الست مذهب السلف والخلف وجمهور العلماء، ومن صامها مع رمضان كأنما صام الدهر فرضاً، ذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة الأيام عن شهرين فذلك سنة كاملة.
ولا يشترط التتابع في صيامها بل يحصل فضلها متتابعة ومتفرقة في أول الشهر وآخره، على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره لظاهر الأخبار.
وقال بكراهية صيامها الإمام مالك رحمه الله كما في الموطأ.
والحديث صحيح صريح وهو موافق لمن قال باستحباب صيامها.
قال الشاطبي المالكي رحمه الله عنها: “الترغيب في صيامها ثابت صحيح” الموافقات 4/103.
فكل يؤخذ من قوله ويرد، هذا على أن ما أثر عن الإمام مالك رحمه الله له مخرج.
قال الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله: “لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة وكان -رحمه الله – متحفظا كثير الاحتياط للدين.
وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى وهو عمل بر وخير، وقد قال الله عز وجل “وَافْعَلُوا الْخَيْرَ” الحج، ومالك لا يجهل شيئا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان، وما أظن مالكا جهل الحديث والله أعلم لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت وقد قيل إنه روى عنه مالك ولولا علمه به ما أنكره، وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه ببعض ما رواه، وقد يمكن أن يكون جهل الحديث ولو علمه لقال به، والله أعلم” الاستذكار 3/380.
وقال الإمام القرطبي المالكي رحمه الله: “وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أعني حديث أبيّ جماعة من العلماء فصاموا هذه الستة إثر يوم الفطر منهم الشافعي وأحمد بن حنبل وكره مالك وغيره ذلك، وقال في موطئه: لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء.
قلت: ويظهر من كلام مالك هذا: أن الذي كرهه هو وأهل العلم، الذين أشار إليهم إنما هو أن توصل تلك الأيام الستة بيوم الفطر لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان. وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد ذلك التوهم وينقطع ذلك التخيل” المفهم 3/237.