إن التوجه العلماني يدعو إلى الشفقة، فالإنسان الذي يترك الطريق المعبد المطروق والصراط الواضح المسلوك، ويتبع طريقا غير واضح المعالم، طريق رملي، تتحرك رماله ولا تبقى على حال واحدة، فلا بد أن هذا الإنسان ستنتهي به الحال إلى الضياع والشرود والتيه في غياهب الصحراء.
ومن أبرز هذه الطرق التي يتبعها العلمانيون المؤتمرات الأممية التي تبشر بالفكر النسوي وعلى رأسها مؤتمر بكين 1995 والذي وضعت فيه مجموعة من البنود المنحرفة وتسخر لإسقاطها على أرض الواقع مليارات من الدولارات.
وأهم ما اتفق عليه المؤتمرون في بكين هو اعتبار مفهوم (الجندر) الذي يسعى إلى إلغاء جميع الفوارق التي تميز بين الرجال والنساء حتى الفوارق البيولوجية أو التكوين الخلقي ووظائف الأعضاء الجسمية عند كل رجل وامرأة، وتعتبر الوثيقة أن وضع هذه الفوارق في الاعتبار يحتوي على ظلم عظيم للمرأة لأن تقسيم البشر إلى ذكر وأنثى تقسيم تواطأ عليه الناس وليس له أساس في الواقع.
تقول الوثيقة بالحرف الواحد: (تقرر الوثيقة أن الرابط الأساس للمرأة بالرجل هو حاجتها المادية إليه، لذلك فإن التمكين الاقتصادي للمرأة يمكنها من فك الارتباط بالرجل مما يتيح لها فرصة وسهولة التخلي عن الحياة الأسرية وعن الزواج)؟!
لقد أخطأت الوثيقة حين أغفلت رابطة المودة والرحمة التي تعد الدعامة الأساس في الزواج وجعلت الزواج قائم على مصالح مادية بحتة، وهذا التصور المخطئ إحلال للتنافر محل المودة والوئام، وإحلال للانفصال محل الاتصال، وإحلال للبغض محل الود، وإحلال للقسوة محل الرحمة، وإحلال للأنانية محل التعاون…
وتطالب الوثيقة بإدماج برامج تعليم الصحة الجنسية الإنجابية في إطار برامج التعليم الرسمي لكل دولة بشأن الصحة الإنجابية، وهذا يأتي موافقا لمواقف بعض العلمانيين التي تسهر على تطبيق ما جاء في هذه المؤتمرات المشبوهة في المغرب، كما جاء في (الأحداث العدد 3264): “كانت زوابع في فنجان لا تتعدى استنكار لباس إحدى الصحفيات داخل قبة البرلمان، ووصف الحكومة بالصهيونية عندما اقترحت خطة إدماج المرأة في التنمية.. واستنكار قصيدة حب في امتحانات الباكالوريا، والضغط من أجل منع فيلم “مروك”، وتنظيم حملة ضد موسوعة علمية تربوية تتضمن ضمن موادها فقرة عن التربية الجنسية..”.
كما أن هذه الوثيقة تحارب ما سمته الزواج النمطي (وتقصد به الزواج المشروع المعتاد والمعروف عند الناس).
وتشجع الزواج غير النمطي أو غير المشروع وهو العلاقة الحرة بين طرفين مختلفي النوع (ذكر وأنثى) أو من نوع واحد (ذكران–أنثيان) مع دعوتها لرفع الحد الأدنى لسن الزواج لأنهم توقعوا أن نظام هذه الأسرة سيظل قائما مهما حاولوا القضاء عليه ولهذا تراهم يدعون إلى وضع حد أدنى لإباحة الزواج من حيث السن أي ألا يسمح بزواج ذكر وأنثى حتى يبلغ سنا محددة يتفق عليها، قد يصل إلى خمسة وعشرين عاما كما جاء في بعض الاقتراحات؟!
وهذا النوع -أي الزواج غير النمطي- يحضى بالتأييد والتشجيع من طرف المنابر العلمانية وما قصة الشواذ علينا ببعيدة وما “نداء الحريات الفردية” إلا تأييد وتطبيق لما جاء في بنود وثيقة بكين، كما أن المنابر العلمانية تتحين الفرص للإفصاح عن هذا المذهب الشاذ عن الهوية المغربية كما جاء في الأحداث العدد 2674: “بطلة الشريط غيثة مع شاب داخل إحدى هذه السيارات وهما يتبادلان القبلات.. لا تصوم رمضان.. كما تقضي أغلب لياليها رفقة شلتها في الشرب والتدخين والرقص بالملاهي الليلية أو بمعية عشيقها “يوري” الشاب اليهودي، الذي ستعيش معه أطوار مغامرة وجدانية مفتوحة على نداء الجسد” وجاء كذلك في أختها “نيشان”: “يربط المجتمع المرأة بجسدها فقط، وينسى أو بالأحرى يتناسى أنها إنسان تكمل روحها جسدها، وطبيعة شخصيتها تتحكم في نوع الحرية التي تختارها لنفسها وبناء على هذا الأساس تبقى لها الحرية الكاملة في التصرف بجسدها حسب قناعاتها وعلاقتها الحميمية معه، وبالتالي فمن الفتيات من توفر لجسدها متعته وتطلق له عنان حريته” نيشان العدد87.
كما أن الحركات النسوية في بلدنا تسعى جاهدة إلى الضغط على المؤسسة التشريعية قصد إصدار قوانين تجرم من خالف ما في هذه الوثيقة كما فعلت فوزية عسولي رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق الإنسان بمناداتها بمساواة المرأة في الإرث مع الرجل وبمنع التعدد، وذلك برفع الظلم -كما يسمونه هم- عن الإناث فيما يتعلق بالإرث حتى يتمتع كل الأطفال بحقوقهم دون تمييز!!
فبنود هذه الوثيقة شاذة شذوذ العلمانية نفسها عن عقيدة المغاربة وأخلاقياتهم وعاداتهم وهويتهم وتقاليدهم، فمحاولة تطبيق وفرض توصيات هذه المنظمات هي محاولة لجندرة المجتمع المغربي ذي المرجعية الإسلامية.
فعلى علماء الأمة التصدي لهؤلاء العلمانيين في محاولتهم لتطبيق هذه المخططات التي تضرب كل ما ورثه المجتمع المغربي وتعارف عليه منذ نشأة الدولة الإسلامية وإلى يومنا هذا.