لقد تجاوز عدد قتلى النساء على أراضي غزة الأبية (80) امرأة على أيدي اليهود الجبناء، منهن طفلات لم يبلغن الحلم!
وقد نقلت القنوات الإعلامية صورا وتعليقات تتعلق بمأساتهن تذيب القلب كمدا، وتقطع الفؤاد حزنا على هذا الذل الذي لحق مليار مسلم، فثبطهم عن نصرة نساء وفتيات ضعيفات مستضعفات، فيهن الأرامل واليتيمات، والفقيرات والمسكينات ..
ولئن نسيت، فلن أنسى أبدا مشهد تلك الفتاة التي لم تجاوز الثالثة عشر من العمر، وهي على سرير مستشفى يشكو قلة الإمكانات، وكثرة المصابين والمصابات؛ قُطعت رجلاها، وقتل أفراد من أسرتها، وحرمت حقها في حياة كريمة آمنة؛ فلا غذاء ولا دواء، ولا مأوى ولا لباس يكن من الحر والقر..
سألها الصحافي فأجابته بلسان يغترف من مرجل الإيمان بالقضاء والقدر، وتفقد حالها فكشف عن نوعية خاصة من البشر، لا توجد إلا عند المؤمنين، بكت العين لحالها وتبسمت هي ابتسامة المؤمنة الشامخة بإيمانها، الرفيعة المنزلة بصبرها وجَلَدها..
أجل؛ تلك الفتاة المسلمة التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، تعطي للعالم درسا في الصبر على اللأواء، وتحمل شديد الابتلاء في ذات الله تعالى الذي لا تساوي عنده الدنيا جناح بعوضة، والذي جعل سبحانه هذه الحياة مزرعة لحياة الخلود، وقنطرة لميعاد يوم يعض الظالم فيه على يديه، ويود أهل العافية لو قطعت لحومهم بالمقاريض، لما يرون عليه أهل الابتلاء من الدرجة الرفيعة والمنزلة العلية..
أهنئك فتاة الإسلام؛ فقد زرعت لذلك اليوم بذرة ينوء بها الرجال، قد عجز عنها الأبطال، وقصرت عنها الأقوال والأفعال..
فلا الدموع تمحو مشهدك المؤثر، ولا الكلمات تستوفي واجب التحية، ولا الأقلام تؤدي واجب الاعتذار..
يا بنيتي؛ لقد ضاقت العبرات، وتعثر اللسان في ثوب الخجل والحياء، وعظم الخطب على إخوان وأخوات لك منعوا من الهبوب لنصرتكم والنفير لنجدتكم، فلا حول ولا قوة إلا بالله..
ومع ذلك فإننا في الطريق إليكم قادمون، وفي سبيل نجدتكم ساعون، وقد يتأخر وصولنا لأننا ركبنا مركبا لا نملك سواه، وامتطينا راحلة لا نجد غيرها؛ فاللهم أجب دعاءنا، وهيئ لهذه الأمة أسباب النصر والتمكين، وخذ بناصيتها إلى الرجوع إلى الدين؛ فقد أخبرنا نبيك صلى الله عليه وسلم أن الذل لن يرفع إلا بذلك..
.. والله لو اطلعتُ الغيب لقلت لك: “صبرا بنيتي فإن موعدك الجنة”، ولو كنت شاعرا لنظمت في تحيتك أبلغ الشعر وأحسنه، ولكنني أقول لك خيرا من ذلك كله:
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده و ماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” رواه الترمذي وصححه.