قال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ( [سورة المطففين29].
– يخبر تعالى عن المجرمين، أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين، أي: يستهزئون بهم، ويحتقرونهم [ابن كثير].
ثم قال تعالى: )وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ( [سورة المطففين30].
– يتغامزون: من الغمز، وهو الإشارة بالجفون والحواجب: أي: يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم وحواجبهم. وقيل: يُعَيِّرُونهم بالإسلام، ويَعِيبُونَهُمْ به [الشوكاني].
ثم قال سبحانه: )وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ( [سورة المطففين31].
– فكهين: أي: معجبين بما هم فيه، متلذذين به، يتفكهون بذكر المؤمنين والطعن فيهم، والاستهزاء بهم والسخرية منهم [الشوكاني].
ثم قال عز وجل: )وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّونَ( [سورة المطففين32].
– أي: لكونهم على غير دينهم [ابن كثير].
ثم قال تعالى: )وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ( [سورة المطففين33]
– أي: وما بُعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم وأقوالهم، ولا كلفوا بهم، فَلِمَ اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم؟! كما قال تعالى : )قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَفَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَإِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ( [المؤمنون108-111]. [ابن كثير].
ثم قال سبحانه: )فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ( [سورة المطففين34]
– (فَالْيَوْمَ ) يعني: يوم القيامة [ابن كثير].
– ( الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) أي: في مقابلة ما ضحك بهم أولئك [ابن كثير].
ثم قال عز وجل: )عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ( [سورة المطففين35].
– أي: يضحكون منهم، ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع [الشوكاني].
ثم قال تبارك وتعالى: )هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ( [سورة المطففين36].
– أي: هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا؟! يعني: قد جُوزُوا أَوْفَر الجَزَاء وَأَتَمَّه وأكمله [ابن كثير].
ففي هذه الآيات مواساة من رب العالمين لعباده المؤمنين في كل مكان وزمان وذلك من وجوه:
1. أن سخرية المجرمين بالمؤمنين سنة الله تعالى التي لا تتخلف، والمصيبة إذا عمت هانت.
2. أن سخرية المجرمين بالمؤمنين دليل على صدق إيمان المؤمنين؛ إذ قد شهد الله لهم بالإيمان، وفي ذلك تزكية لهم، تزيدهم ثباتا على ما هم عليه، فإذا استهزأ بهم المجرمون قالوا: )هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً( [الأحزاب22]؛ وعليه، فمن لم يسخر منه أحدٌ من المجرمين فَلْيَتَّهِمْ نفسه وإيمانه.
3. أن الله تعالى وعدهم الجنة على صبرهم، وفي ذلك أعظم المواساة لهم.
4. أن الله تعالى وعدهم بأنهم سيضحكون من المجرمين في الآخرة كما ضحكوا منهم في الدنيا، ليُذهبَ غَيْظَ قلوبهم، ويَشْفِيَ صُدُورَ قَوْمٍ مؤمنين. والحمد لله رب العالمين.