لفهم وصف بعض الكتبة وضع النقاب أو تغطية الوجه عموما بالسلوك المتشدد أو المتطرف ينبغي أن نستحضر الخلفية الإيديولوجية التي تؤطر فكرهم وتشكل تصورهم.
إن الإنسان العلماني يعتقد أن الدين لا دخل له في لباس الإنسان ونوع الثياب التي يرتديها، ولا يمكن أن يستوعب فكرُه أو تصوره أن للدين أحكاما في ذلك.
ومن هنا فإنه يعتقد أن حجاب المرأة عموما وتغطية وجهها على وجه الخصوص سلوك بشري وموقف اتخذه الإنسان في أحد مراحل تطور اللباس في تاريخ البشرية، كما يعتقد أن هذه العادة التي لا تمت للعبادة بصلة إنما تنشأ في بعض البيئات التي ينمو فيها فكر التطرف وسلوك التشدد.
وهذا النوع من التفكير أفرزته عوامل؛ منها: الثورة الغربية في أواسط القرن الثامن عشر، التي جعلت الحرية أهم مبادئها، هذه الحرية التي استطاعت اليد الخفية للكيد الصهيوني الرامي إلى تخريب الأخلاق والقيم؛ استطاعت أن تعطيها معنى فضفاضا ومفهوما يشمل التحرر من قيود الدين مطلقا، سيما تلك التي تتجاوز مخاطبة الإنسان في ضميره وشعائره إلى مخاطبته في سلوكه العام ومنه اللباس.
وإذا كان التعلق بالحرية بهذا المفهوم قد شارك في التنظير لفلسفة التعري التي جعلت الإنسان يرتضي التردي إلى مراحل من تاريخ البشرية كان الناس فيها يتجردون عن الثياب في البيئات التي يغيب فيها التوجيه الديني، وإذا استحضرنا أن فلسفة التعري أقنعت الإنسان بأن التعري سلوك حضاري يدل على التحرر…
سهل علينا أن نستوعب ونتفهم أسباب هذه السوءة الفكرية التي حكمت شهوة الإنسان في عقله وجعلته يرى العري تحررا وتنورا واللباس الذي يستر الوجه تشددا وتطرفا.
ولا ينبغي -حينئذ- أن نختلف في أن هذه ظاهرة مَرضية تستدعي علاجا، وأن ذوق صاحب هذا الفكر أشبه بذوق المريض الذي يجد حلو الطعام مرا.
ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مرا به الماء الزلال
وليت شعري! كيف لا يكون مريضا من يشمئز ويضيق عطنه حين يرى المرأة منقبة، وفي المقابل يبتهج وينشرح صدره حين يرى امرأة شبه عارية؟ وكيف لا يكون مريضا من يؤطر لسلوك توظيف جسد المرأة في مجالات الاقتصاد والثقافة والسياسة، ويؤمن بأن إبراز مفاتنها سلوك تقدمي انفتاحي؟ وكيف لا يكون مريضا من يرتضي استلقاء زوجته أو ابنته على رمال الشاطئ وقد عرت جسدها وحجمت سوءتها في حال يتنزه عنه الحيوان نفسه الذي يستر سوءته بما لا يجسمها حين يجعل ذيله ملاصقا لها.
إن هذا المرض السلوكي المؤطر بتلك السوءة الفكرية لا بد أن يرى تغطية المرأة وجهها سلوكا متشددا.
أما الذي يأوي إلى ركن الشرع الشديد، ويعتصم به من تلك المزالق الخطيرة؛ يعلم أن وصف التشدد أو التطرف هو أبعد الأوصاف عن سلوك المرأة المنتقبة؛ لأن الذي أقر تغطية الوجه بقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تنتقب المحرمة …”، والذي استحبه بأن جعله هدي أمهات المؤمنين، هو الذي قال: “إياكم والغلو في الدين” وقال: “هلك المتنطعون” ..
وهذا يعني حتما أن تغطية المرأة لوجهها لا يمت للتشدد بصلة، ومن حكم عليه بذلك فإنما هو لفسادٍ لَحِق تصورَه ومرض ألحق بفكره وسلوكه تلفا واهتزازا، وتلك نتيجة حتمية لشيوع فلسفة التعري..