ضوابط في التعامل مع أخبار النبي عليه الصلاة والسلام(1) رشيد مومن الإدريسي

من المهم ضبطه في منهجية الاستدلال: مراعاة مسالك التعامل مع أخبار النبي عليه الصلاة والسلام لما لهذه الأخيرة من مكانة في باب الاستدلال والفهم إذ سنته صلوات الله وسلامه عليه هي المصدر الثاني الذي لا بد من اعتباره في التشريع مع كتاب الله تعالى.. لكن هل سائر أخباره أقوال، وإذا كان منها الأفعال، فهل كل الأفعال في مجال التشريع والاعتبار؟ وجوابا نقول:

عرف الخبر عند النظار بقولهم: “هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية”.
فيكون بذلك مرادفا للحديث.
“من قول” مثل: “إنما الأعمال بالنيات”.
أو “فعل” مثل: “كان إذا سجد فرج بين يديه”.
أو “تقرير” مثل: قوله للجارية لما قال لها. أين الله؟ قالت: في السماء، فأقرها.
أو “وصف” مثل: قولهم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل الناس.
أما القول فقد سبق الكلام على أحكام تخصه.
وأما الفعل فينبغي أن يعلم أن فعله صلى الله عليه وسلم أنواع:
النوع الأول: ما فعله بمقتضى الجبلة كالأكل والشرب والنوم فلا حكم له في ذاته، ولكن قد يكون مأمورا به أو منهيا عنه لسبب، وقد يكون له صفة مطلوبة كالأكل باليمين أو منهي عنها كالأكل بالشمال. ومعنى أنه “لا حكم له في ذاته” أي لا يسن فعله فهذه الأفعال متفق على أنها تباح منا ومنه صلى الله عليه وسلم.
الثــــاني: الأمور الاتفاقية التي وقعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا من غير قصد، فهل يشرع أن يتبعه الإنسان أم لا؟
كان ابن عمر -رضي الله عنه وعن أبيه- يتبع ذلك، حتى أنه يتحرى المكان الذي نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبال فيه، فينزل ويبول وإن لم يكن محتاجا للبول. كل هذا من شدة تحريه لإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لكن قد خالفه أكثر الصحابة فيه ورأوا أن ما وقع اتفاقا ليس بمشروع اتباعه للإنسان. وهذا هو الصحيح.
فمثلا لو قال قائل: أيسن لنا الآن ألا نقدم مكة في الحج إلا في اليوم الرابع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم يوم الرابع؟ الصحيح أنه لا يشرع.
الثالث: ما وقع على سبيل التشهي مثاله: حب النبي صلى الله عليه وسلم للدباء.
ففي الحديث (الصحيح) قال أنس -رضي الله عنه- كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء في الطعام. فما زلت أتتبعها منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبعها.
وعلى هذا فهل نقول من المشروع أنك تتبع الدباء، لأنه عليه الصلاة والسلام يتتبعه أو لا؟
الظاهر أن هذا الإتباع فيه أحرى من الإتباع فيما سبقه -وهو ما وقع اتفاقا- لأن هذا لم يقع اتفاقا، حيث أننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يتتبعها أنه يتبعها قصدا لا اتفاقا.
الرابع: ما فعله صلى الله عليه وسلم بحسب العادة كصفة اللباس، فمباح في حد ذاته وقد يكون مأمورا به أو منهيا عنه لسبب.
إذن ما وقع عادة فهو مباح في حد ذاته لكن هل يشرع لنا على سبيل الاستنان أن نتبعه عليه الصلاة والسلام فيه؟ مثلا: العمامة والرداء والإزار. نقول: نعم يشرع أن نتبعه فيه.
لكن ما معنى الإتباع. هل اتباعه في عين ما لبس أو اتباعه في جنس ما لبس؟ الجواب، الثاني. لأنه لبس ما اعتاده الناس في ذلك الوقت. وعلى ذلك نقول: السنة لبس ما يعتاده الناس ما لم يكن محرما، فإن كان كذلك وجب اجتنابه.
الخامس: ما فعله على وجه الخصوصية فيكون مختصا به صلى الله عليه وسلم كزواجـه أكثر من أربع.
ولا يحكم بالخصوصية إلا بدليل لأن الأصل التأسي به صلى الله عليه وسلم فإذا ثبتت الخصوصية فليس لنا أن نتأسى به في ذلك لأننا لو تأسينا به فيه لبطلت الخصوصية، والخصوصية أمر مقصود في الشرع.
السادس: ما فعله تعبدا فيكون مندوبا فعله على أصح الأقوال. وذلك لأن فعله تعبدا يدل على مشروعيته والأصل عدم العقاب على الترك فيكون مشروعا لا عقاب في تركه وهذا حقيقة المندوب.
مثال ذلك: حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها سئلت بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك، فليس في السواك عند دخول البيت إلا مجرد الفعل فيكون مندوبا.
الســــابع: ما فعله صلى الله عليه وسلم بيانا لمجمل من نصوص الكتاب أو السنة، فإن كان الأمر واجبا كان ذلك الفعل واجبا. وإن كان مندوبا كان ذلك الفعل مندوبا.
مثال الواجب: أفعال الصلاة الواجبة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بيانا لمجمل قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة}.
ومثال المندوب: صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين خلف المقام بعد أن فرغ من الطواف بيانا لقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} حيث تقدم صلى الله عليه وسلم إلى مقام إبراهيم وهو يتلو هذه الآية، والركعتان خلف المقام سنة مندوبة.
وأما تقريره صلى الله عليه وسلم على الشيء فهو دليل على جوازه على الوجه الذي أقره قولا أو فعلا، سواء كان هذا الشيء واجبا أم مباحا.
فأما ما وقع في عهده ولم يعلم به فإنه لا ينسب إليه ولكنه حجة لإقرار الله له. ويدل عليه أن الأفعال المنكرة التي كان المنافقون يخفونها بينها الله وأنكرها عليهم، فدل ذلك على أن ما سكت الله عنه فهو جائـــز ولذلك استدل الصحابة -رضي الله عنهم- على جواز العزل بإقرار الله لهم عليه.
ومن الأمثلة في ذلك أن معاذا -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم الصلاة نفسها (كما في البخاري) ففيه دليل على جواز ائتمام المفترض بالمتنقل، وأنه يجوز أن يكون الإمام يصلي نافلة والمأموم يصلي خلفه فريضة. وهكذا مع عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بصنيعه فتنبه.
أما الصفة فترجع إلى مباحث القول والفعل فتأمل.
وللبحث بقية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). انظر تدريب الراوي، وإرشاد الفحول، والاقتضاء، وشرح الأصول من علم الأصول لابن عثيمين رحمه الله في آخرين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *