قاسم سليماني -قائد ما يسمى: فيلق القدس- ليس مجرد جنرال كبير في قلب الدائرة الضيقة المقربة من طاغية طهران علي خامنئي، فكثير من الخبراء المتعمقين في الشأن الإيراني، يزعمون أنه يتصدر تلك الحفنة المسؤولة عن تنفيذ أوامر “المرشد الأعلى” للثورة الخمينية.
صحيح أن رئيس الجمهورية ورئيس الحرس الثوري ورئيس مجلس الشورى يسبقون سليماني في الترتيب النظري لهرم الطبقة السياسية للنظام، لكن هنالك من يجزم بأن سليماني هو الشخص الثاني الأكثر نفوذاً وقوة من الناحية الفعلية في نظام الملالي المتسلط على رقاب الشعوب الإيرانية، باعتباره “مستودع” أسرار خامنئي وذراعه الباطشة في الداخل كما في الخارج لترهيب الخصوم وتأديب من يشك النظام في صدق ولائهم!!
لذلك كله، أثارت تصريحات سليماني عن تبعية العراق ولبنان الكاملة للمشروع الصفوي الجديد؛ اهتماماً كبيراً وواسعاً، وبخاصة أن سليماني ذي الطبيعة الاستخبارية المغلقة قليل الكلام، بل إنه نادراً ما يتكلم أو يظهر أمام وسائل الإعلام أو حتى في حضور يتجاوز رؤساءه ومرؤوسيه.
والعنصر الثاني الذي أكسب تصريحات سليماني تلك الأهمية، ما تضمنته من صراحة بلغت حدود الوقاحة، من نظام يستند في تسعة أعشار دينه على الكذب، الذي يصر القوم على إطلاق اسم مخادع عليه هو “التقية”!! فضلاً عن التوقيت المثير للتساؤلات إذ إن الجهر الاستفزازي جاء في فترة سيئة بالنسبة إلى مخطط التغلغل الصفوي في المنطقة العربية، حيث يعاني أهله من القلق على حاضره ومستقبله، وذلك للمرة الأولى بعد سنوات طويلة من خط بياني صاعد، ملأ القوم استعلاء وغروراً.
صحيح أن أولي الألباب لم يكونوا في حاجة إلى غطرسة سليماني المفاجئة لكي يدركوا خطورة المشروع الصفوي وتمكنه من السيطرة شبه المطلقة على مفاصل القوة ومواقع صنع القرار في كل من لبنان والعراق بواسطة أدواته الدينية والسياسية والعسكرية المكشوف منها والموارب، وكذلك هيمنته على سوريا التي لم ترد في كلام الرجل لأسباب لا تخفى على أهل الرأي، بل ربما كان التستر على الحالة السورية أحد أبرز العوامل وراء الإعلان عن هيمنة خامنئي على كل من بغداد وبيروت.
أليس غريباً وعجيباً، أن يجاهر الصفويون الجدد بـ”نجاحاتهم” التي موهوها كثيراً وحرصوا على طلائها بشعارات مقاومة الصهاينة وممانعة “الشيطان الأكبر”، الذي أهدى إليهم العراق مجاناً ونفوذاً غير مسبوق في أفغانستان كجائزة ترضية أخرى؟
وهل من المعقول أن يفاخروا بذلك في الفترة التي تشهد أول وأعمق مأزق يواجه الخطية الخمسينية لابتلاع العالم العربي وتغيير معالمه وطمس هويته؟
أهو غرور القوة أم طلاء جديد لعوامل الوهن، لشد عصب الرعاع ومنحهم حقنة مقوية وهم يرون بوادر انهيار المشروع كله رأي العين؟
الجواب الأكثر معقولية هو الخيار الثاني في السؤال، ولعل أفضل ما يجب مقارنة سعار سليماني به، هو تهديدات طهران بإقفال مضيق هرمز تارة، وتوعد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأنها أبدت استعدادها لتعويض النقص المتوقع في سوق النفط العالمية إذا حوصر نفط أبي لؤلؤة.
فكل هذا الهياج اللفظي ليس سوى ستار لإخفاء الهلع والحد من انهيار معنويات الأتباع.
وبما أن التصريحات “السليمانية” نابعة من الخوف والحرص على تعويض الشعور بالنقص، فإنها سوف تأتي بنتائج عكسية تماماً، فهي توقظ القلة القليلة التي طال رقادها في العالم العربي، بالإضافة إلى تعرية عملاء الخطة الصفوية في البلدان العربية ومحاصرتها بنظرات التخوين، المشفوع بشهادة شاهد من أهلها!!
ولذلك سارع صبي الأتاري مقتدى الصدر إلى استنكار تصريحات سليماني لأنها أسقطت ورقة التوت عنه وعن عصابة جيش المهدي، الذي كان يدعي التصدي للاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين، في حين أنه لم يفعل غير قتل العزل من أهل السنة بالمثقاب الكهربائي!!
أما زعيم حزب الشيطان في لبنان حسن نصر الله فقد أصيب ورموز حزبه بالخرس، وإن كان قد كلف بعض سفهائه القيام بلعبة سخيفة ومكشوفة بادعاء أن وسائل الإعلام أساءت فَهْمَ تصريحات سليماني نتيجة خلل في الترجمة!!