أثر الفكر الإباحي على الدولة والمجتمع في المغرب حماد القباج

إن التوجه الإباحي العالمي الذي تحدثنا عنه في مقالة: “العفة والإباحية ..وجها لوجه”؛ عرف امتدادا وتغلغلا في الدول الإسلامية التي تمثل الهدف الأول للعولمة العاملة على تعميم ذلك التوجه، ويشكل المغرب أحد أهم الدول الإسلامية التي عرفت اختراقا قويا في ظل غياب مقاومة سياسية وقانونية وإعلامية وثقافية، فضلا عن المقاومة الدينية..
بل إن مناهج التعليم والسياسة الإعلامية كانتا رهن إشارة ذلك التوجه، الذي استطاع أن يحضر ممثلوه بقوة في مراكز القرار ودواليب السياسة والتسيير.
الشيء الذي انعكس بشكل لافت على واقع المجتمع المغربي المعروف بميله إلى قيم العفة والحياء، وهو ما عمل الدرع الإباحي في المغرب على تحطيمه بشراسة منقطعة النظير.
وإذا كان تغلغل هذا التوجه قد اتسم بسمة التدرج والسير البطيء منذ أواخر فترة الاستعمار وما بعدها؛ فإنه قد شهد انتعاشا وتم تسريع وتيرته بشكل خطير مع تجربة التناوب منذ سنة 1999، وعمل الوزراء الاشتراكيون على التمكين له بقوة، وتجاوبوا بشكل كبير مع الدعوات العلمانية العاملة على ترسيخ الثقافة الإباحية في المجتمع (أسجل هنا أن فاعلة جمعوية راسلت وزير التربية والتعليم تستنكر اشتمال غلاف مقرر التربية الإسلامية على صورة فتاة محجبة!!)..
ومن هذا الرحم تولد ما سمي: “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، وكل المبادرات والتحركات المتعلقة بالمرأة، والتي عرفت رعاية وعناية متميزة من نزهة الصقلي وزيرة الأسرة والتضامن السابقة..
وعلى المستوى الإعلامي شهدت القنوات الوطنية اختراقا غير مسبوق لمنظومة العفة من طرف الفكر الإباحي؛ وتجسد ذلك في برامج وأفلام ومسلسلات ووصلات إشهارية تضرب قيم العفة والحشمة والحياء في الصميم، بل إن الفلسفة المؤطرة لأدبيات العمل الإعلامي نفسها مصبوغة بالصبغة الإباحية (2M نموذجا).
كما أن الإذاعات والصحف والمجلات تكثر فيها تجليات هذا التوجه؛ نخص بالذكر “يومية الأحداث المغربية” التي عملت على تأجيج الشهوة الجنسية من خلال “القصة” و”الصورة”، ومجلة “نيشان” التي كانت أعدت -على سبيل المثال- ملفا حول البكارة عند الفتيات، ودعتهن فيه بصراحة إلى عدم اعتبار المحافظة على البكارة أمرا إيجابيا، وبلغت بهم الوقاحة وموت القلب إلى درجة نقل افتخار بعض الزانيات بفقدهن بكارتهن على فراش العهر والفاحشة!
وتشكل “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”؛ أبرز الجمعيات المدنية الراعية لهذا المخطط الرهيب في المغرب:
وسجلها حافل بالمواقف المناصرة للعولمة الإباحية التي تفرض على الشعوب باسم: الحرية وحقوق الإنسان:
من ذلك؛ أنها قدمت يوم 26 فبراير عام 2008م عريضة تطالب الحكومة المغربية بإبطال العمل بالفصل 489 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرم أي فعل من أفعال الشذوذ الجنسي يقوم به شخص مع آخر من نفس جنسه، كما طالبت بإطلاق سراح ستة رجال كانوا مسجونين بموجب هذا الفصل من القانون الجنائي!
وقالت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المذكورة: “إن الوقت مناسب لكي تلغي الحكومة ذلك الفصل الذي يستعمل لانتهاك حرية هؤلاء الأفراد الشخصية، في حين نعتبر أن الحرية الشخصية هي حق لكل فرد مهما كان مادامت لا تمس بحرية الآخرين، ونطالب احترام تلك الحرية وعدم التدخل فيها”.
وأضافت: “ولا نعتبر أن هناك ضوابط في احترام حقوق الإنسان ولا يجب أن نعتمد على الخصوصيات كوسيلة للمس بحريات الأشخاص”.
ومعلوم أن المراد بالضوابط؛ الضوابط الشرعية التي وردت في القرآن والسنة! وبالخصوصيات؛ الأحكام الدينية التي يختص بها المسلمون!!
وفي هذه الأيام؛ طالبت خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ونائبها عبد الحميد أمين؛ بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي ينص على معاقبة جريمة الفساد وإقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية.
تأتي هذه المطالبة في سياق حملة شرسة يقودها رموز الإباحية في المغرب من صحافيين وحقوقيين وباحثين؛ صعّدوا مواقفهم في سياق سياسي خاص..

واقع المجتمع
فلا جرم أن ظهرت آثار تلك الدعوات في المجتمع؛ وهو ما يؤكده فشو الزنا واللواط والسحاق بكل مظاهرها وأشكالها ودعواتها، وانتشارها بشكل رهيب هو أشبه ما يكون بطوفان جنسي إباحي مدمر جرف الأخضر واليابس، وترك صورة المجتمع أشبه بصحراء جرداء قاحلة تتجول فيها أفاعي التبرج الفاتكة، وعقارب الميوعة القاتلة، وتنبت فيها حلفاء التفسخ والانحلال.
وهل هناك انحراف سلوكي أشد من زنا المحارم الذي أضحى يشكل أرقاما مخيفة، والشذوذ الجنسي الذي تفشى وكثر المبتلون به من ذكور مارسوا الزنا حتى عافوه، وإناث ألفن الخنا حتى كرهن الرجال وصرن يبحثن عن اللذة في مخادنة النساء؟!
بل آل الأمر إلى الجهر بالدعوة إلى (التحول الجنسي)؛ التي يؤم اليوم فيها عبادَ الهوى؛ المسمى نور الدين الذي زعم أنه كان ذكرا فصار أنثى، وأنه مسرور بذلك، وقد سارعت مجلات وجرائد الإباحية بإظهار أمره وإشهار دعوته استكبارا في الأرض ومكر السيئ..
وهكذا يسخّر الإعلام الوطني لنشر تلك الرذائل، وتدنيس المجتمع بهذه الأزبال السلوكية الملوثة التي فاحت روائحها من برنامج “ستوديو دوزيم” وصفحات مجلة “نيشان” والأحداث المغربية وغيرهما.
فانتهكت الأعراض بسبب ذلك، وطم وادي الرذيلة على قرى الفضيلة، حتى صار العاقل العفيف يخشى على عرضه خشية لوط على أضيافه.
وهذه عاقبة التساهل في أمر العرض، والتقصير في واجب حفظه..
ومن أبرز تجليات آثار التوجه الإباحي؛ أحوال الفتيان والفتيات أمام المؤسسات التعليمية؛ فقد أضحت المظاهر المخلة بالحياء لافتة وقوية؛ وإليكم هذا الخبر الكاشف، المنشور بأسبوعية السبيل (عدد سابق):
“داهمت عناصر من الأمن بمدينة مراكش محيط بعض الثانويات، فباغتت مجموعة من التلاميذ والتلميذات في حالة تلبس، كما وجدت بعضهم في حالة سكر بين، وحسب مصادر قريبة، فإن الحملة الأمنية التي شملت كل من ثانوية محمد السادس، وابن تومرت والزرقطوني، كانت بناء على شكايات من طرف آباء وأولياء التلاميذ، إلى جانب مراسلات في الموضوع نفسه من طرف بعض مديري المؤسسات التعليمية التابعة للدائرة الأمنية الثامنة. ويفيد نفس المصدر أنه تم اعتقال 17 تلميذا وتلميذة، وقدموا إلى العدالة بتهمة السكر العلني والتحرش، كما تم اعتقال 19 تلميذا وتلميذة من باب مؤسسات أخرى، وقدموا بنفس التهمة.
وحسب نفس المصادر فقد ثبت للشرطة بأن ضمن المعتقلين فتيات قاصرات فقدن عذريتهن وأصبحن أمهات عازبات بدون علم أهلهن، وسيتم إحالة الجميع على القضاء قصد التحقيق والمتابعة”اهـ الخبر.
كما نسجل هنا أن القانون المغربي لا يتضمن أية فصول تحمي المغاربة من طوفان المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية الإباحية، على غرار بعض الدول التي تعي جيدا خطورة الإباحية فتمنع تلك القنوات والمواقع كما هو الشن في دولة الصين..
كل ذلك أدى إلى احتلال المغرب درجة متقدمة في شيوع الدعارة:
فقد صنَّف تقريرٌ أمريكي حول تهريب البشر، المغربَ في مرتبةٍ متقدمة باعتباره بلدا لا يؤمِّن لمواطنيه الحمايةَ الكافيةَ من شبكات تهريب البشر.
وكشف التقرير الصادر سنة 2008 عن تحول المغرب لمصدر أساسي لتجارة النساء ومَعبَر لهذه الشبكات، وأبرزَ التقريرُ خريطةَ الاتجار في المغربيات في العالم حيث ذكر حصولَ عملياتٍ لجلب الفتيات والنساء المغربيات لاستغلالهن في الدعارة بدول السعودية وقطر وسوريا وعمان والبحرين والإمارات وتركيا وقبرص وعددٍ من الدول الأوروبية”اهـ.
هذا ما جناه الفكر الإباحي على العفة المغربية، فهل من وقفة وطنية لمواجهته والحد من آثاره؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *