خصائص القيم الإسلامية

مما يميز القيم الإسلامية عن غيرها من القيم معرفة خصائصها والتي بمعرفتها يزداد المرء ثقة وقناعة بكونها حلا لمشاكل البشرية ووسيلة لإسعادهم في الدارين.
ومن أبرز خصائصها:

أولا: الربانية
وهي من أعظم مزايا القيم الإسلامية على الإطلاق، وذلك أن الوحي الإلهي هو الذي وضع لها أصولا وحدد معالمها، قال تعالى {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}.
وهي قيم ربانية المصدر والمنهج والغاية والهدف:
– فهي ربانية المصدر: قال الحق عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89).
– وهي ربانية المنهج: وفي ذلك يقول تعالى {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف:108).
– وهي كذلك ربانية الهدف والغاية: حيث تصرف القيم الإسلامية إلى غاية عظمى وهي تحقيق العبودية ومرضاة الله عز وجل؛ قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56).

ثانيا: الوضوح
ويدل على ذلك وصف القرآن وهو مصدرها الأول بأنه كتاب مبين ونور وهدى للناس، وتبيان، وفرقان وبرهان، وما ذلك إلا لوضوحه قال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (المائدة:15).

ثالثا: الوسطية
وذلك بالجمع بين الشيء ومقابله، بلا غلو ولا تفريط، فمن ذلك التوازن بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:77).
ومن ذلك الوسطية والتوسط في الإنفاق والعاطفة وتوفية مطلب الجسد والروح؛ قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَاكُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الإسراء:29).

رابعاً: الواقعية
قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة:286). فالقيم الإسلامية واقعية يمكن تطبيقها لا تكليف فيها بما لا يطاق، ولا تغرق في المثالية التي تقعد بالناس عن الامتثال، فالعبادات واقعية، والأخلاق واقعية، والقيم كذلك واقعية راعت الطاقة المحدودة للناس فاعترفت بالضعف البشري وبالدافع البشري، والحاجات المادية، وبالحاجات النفسية.
ويضرب الدكتور خالد الصمدي على ذلك مثالا فيقول: “فالعدل على سبيل المثال قيمة إسلامية راسخة، ولكن تحقيقه في الواقع مدافعة للظلم بقدر الاستطاعة، ولذلك كان رسول الله يقول: «إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض؛ فأحسب أنه صدق؛ فأقضي له بذلك؛ فمن قضيت له بحق مسلم؛ فإنما هي قطعة من نار؛ فليأخذها أو ليتركها» رواه البخاري في كتاب المظالم والغصب.
والحب قيمة إسلامية عظمى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدل بين زوجاته في هذا الجانب كان يقول: «اللهم هذه قسمتي في ما أملك؛ فلا تلمني فيما لا أملك» يعني الميل العاطفي. رواه الترمذي في كتاب النكاح.

خامساً: العالمية والإنسانية
فقيم الإسلام التي تضمنتها رسالة الأنبياء والرسل كافة وختمها محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليست للمسلمين بخصوصهم؛ وإنما هي منفتحة على سائر الأمم والشعوب، ينهلون منها فتقوّم سلوكاتهم، وتعدل من اتجاهاتهم، فتكون هذه العالمية مدخلاً إلى الإسلام عند كثير من الأمم والشعوب والأفراد.
وقد أخذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بهذه القيم العالمية وجاء ليتممها، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».

سادسا: الثبات والاستمرارية
وتستمد القيم الإسلامية استمراريتها من صلاحية مصادرها لكل زمان ومكان، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
ومن مظاهر الاستمرار في القيم الإسلامية تكرر حدوثها في سلوكيات الناس حتى تستقر، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً» رواه الإمام أحمد في مسنده.
فالصدّيق لا يطلب منه أن يصدق مرة ويكذب مرات، وإنما المطلوب أن يستمر هذا السلوك في تصرفاته طول حياته حتى يستحق هذا اللقب.
يقول الدكتور أحمد مهدي عبد الحليم: «ومن الخصائص الأساسية في القيمة تكرار حدوثها بصفة مستمرة، فمن يصدق مرة أو مرات لا يوصف بأنه فاضل في سلوكه، وإنما تتأكد القيمة وتبرز الفضيلة الخلقية في سلوك الإنسان إذا تكرر حدوثها بصورة تجعلها عادة مستحكمة أو جزء من النسيج العقلي والسلوكي لصاحبها وعنوانا لهويته».

– سابعا: الإيجابية
والمقصود بها أن يتعدى الخير للآخرين فلا يكفي كون الإنسان صالحاً في نفسه بل يكون صالحاً ومصلحاً، يتفاعل مع المجتمع وينشر الخير، ويعلم الجاهل، ويرشد الضال، وتأتي هذه الإيجابية للقيم من إيجابية الإسلام نفسه فهو دين إيجابي مؤثر ليس من طبيعته الانكماش والانعزال والسلبية.

– ثامنا: التكيف والمرونة
ذلكم أن القيم الإسلامية قابلة للتحقق في المجتمع بمختلف الوسائل والطرق، وتتكيف مع مختلف الأحوال والأزمان والأمصار دون أن يؤثر ذلك في جوهرها، فالعدل يتحقق في المجتمع عبر مؤسسات مختلفة قد تخلقها الدولة بحسب حاجتها وعلى قدر إمكاناتها؛ المهم أن يتحقق العدل، وقد يتحقق في مختلف مظاهر الحياة العامة داخل الأسرة وفي الأسواق وفي المنظمات والهيئات وغير ذلك بصور شتى وبوسائل مختلفة، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (الأنعام:152).
ولذلك لم تحدد قوالب منظمة جاهزة تحدد القيم، وإنما أمر بضرورة تحقق الجوهر بأشكال مختلفة تستجيب لحاجات الزمان والمكان والأحوال.
فأمرت بتحقيق الشورى في المجتمع ولم تحدد الكيفية والوسيلة، وأمرت بأداء الأمانات إلى أهلها مطلق الأمانات بعد حفظها ولم تحدد وسائل الحفظ؛ لأنها متغيرة وأمرت بالتكافل الاجتماعي، وتركت طرق تحقيقه مفتوحة على اجتهادات المقدمين عليه، وأمرت بالإنفاق في سبيل الله؛ مطلق سبيل الله ليعم الخير كلَّ مناحي الحياة، ويغطي حاجات الناس المتجددة. (عصام شريفي؛ مكتب غراس للاستشارات التربوية والتعليمية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *