السجون.. جامعات لتخريج المجرمين ومشاتل لإنتاج الجريمة

الغرض من السجن كعقوبة سالبة للحرية، هو عزل الشخص المُذنب عن باقي الناس بهدف تعديل مساره السلوكي وتقويمه، لكن للأسف غالبًا ما يخرج الشخص المُذنب بمجموعة أكبر من المشاكل النفسية، لأن السجن تجربة قاسية جدًا تغير من نفسية المسجون، تمثل صدمة نفسية واجتماعية، وتستمر هذه المعاناة النفسية والاجتماعية إلى ما بعد الخروج من السجن، وقد تتطور إذا لم يجد المفرج عنه القلوب الرحيمة والعناية من طرف المقربين إليه.
فالسجين أثناء مدة سجنه يشعر بالدونية وبعد خروجه تزيد عدوانيته بسبب النظرة السلبية للمجتمع الذي يعتبره مجرمًا سابقًا، وأيضًا الخوف منه وعدم التعامل معه وعدم تزويجه أو الزواج منه، مما يجعل ثقته في نفسه تضعف ويغمره الشعور بالاكتئاب الذي قد يقوده إلى النفور الاجتماعي والقلق المتواصل، وروح التوجس والخيفة تجعل من النزيل السابق مثالاً لعدم التوافق النفسي وتجعله يسلك العدوانية والانتقام والحقد على المجتمع ربما أملاً في العودة إلى السجن مرة أخرى بعد أن لفظه المجتمع.
وغالبا لا يلقى المسجون المفرج عنها الرعاية اللازمة ما يؤدي إلى تفاقم الأعراض وتبقى في نظر المختصين هي السبب الرئيسي في إنتاج الإرهابيين والمجرمين الخطرين بعد ما كانوا مجرد أشخاص ارتكبوا أخطاء بسيطة دفعوا سنوات من حياتهم ثمنا لها.
إن السجون في العالم العربي عموما، وفي المغرب بشكل خاص، أصبحت جامعات ومشاتل لتفريخ المجرمين وإنتاج الجريمة، السجون ببنياتها القائمة وسياستها المتبعة والفساد الذي ينخرها، لا تساعد على تقويم سلوك الجناة.
وقد أوردت إحصائية حديثة لنقابة موظفي السجون، أن أزيد من 86% من الموظفين يعانون من أمراض نفسية وعصبية، فإذا كان هذا حال الموظفين والحراس، فكيف سيكون وضع المسجونين في سجون مكتظة تفتقد لأبسط المقومات، وتتفشى فيها أخطر الظواهر والانحرافات.
فقد كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون في تقرير الأنشطة لـ2016، أن الساكنة السجنية بلغت عند متم العام الماضي 78 ألفا و716 معتقلا منهم 93.65% بالغون، بينما 4.35% المتبقية من الأحداث الذين يقل عمرهم عن 20 سنة.
إن السمة البارزة التي تطغى على السجون في المغرب، تبقى “هي الاكتظاظ، بحيث تفوق الطاقة الاستيعابية للسجن أحيانا الضعف إلى ثلاثة أضعاف (ما بين 245.20% و300% في بعض المؤسسات) الذي تعاني منه المؤسسات في ظل غياب إجراءات وحلول مقبولة للحد منه بالنظر إلى التداعيات التي يفرزها، وآثاره السلبية على نفسية وسلوك السجناء، ووقوفه أمام تطبيق سياسة عقابية ناجعة”.
وبالإضافة للاكتظاظ الذي هو في حد ذاته مشكل عويص، هناك مشاكل جمة تحول دون تأدية السجن لرسالته، وسأجمل أهم معيقات التقويم والإدماج والإصلاح في ستة أمور:
تحول السجن لفضاء للتعذيب سواء النفسي أو الجسدي، من خلال اعتداء بعض المدراء ورؤساء المعاقل والحراس، دون حسيب أو رقيب، وخارج القانون، أو من خلال لوائح الممنوعات المزاجية التي يفرضها أحيانا مدير المؤسسة السجنية بمزاجه، وأحيانا لدوافع انتقامية فقط.
تحول السجن إلى فضاء يسود فيه منطق الغابة، ما يولد لدى المعتدين شعورا بالتفوق والطغيان والجبروت، ويولد لدى المعتدى عليهم شعورا بالرغبة المستمرة في الانتقام.
تحول السجن إلى فضاء مفتوح لكل الممنوعات، فتصل المخدرات لمستهلكيها بشكل أيسر وأسهل ما لو كانوا خارج السجن، وهناك من يتحدث عن تواطؤ وسياسة ممنهجة، إما من طرف الفاسدين المتاجرين بذلك من بعض المسؤولين، وإما بغرض إبقاء السجناء خاصة المدمنين منهم هادئين مغيبين عن واقعهم ليسهل ضبطهم. لكن المؤكد أن لذلك عواقب وخيمة، على السجين أثناء فترة اعتقاله وبعدها.
تحول السجن إلى فضاء لممارسة كل أنواع الشذوذات، من شذوذ جنسي، ومشاهدة للأفلام الخليعة، وأحيانا بشكل جماعي، ما يمسخ الفطر السليمة للسجناء، ويمحي كل خلق حميد وحياء واحترام، ويجعلهم أكثر وقاحة وجرأة وتبجح.
غياب برامج للإصلاح الديني، حيث أن لا دور للمسجد داخل السجن، ولا وجود لصلاة الجمعة، ولا تفتح مساجد السجن أبوابها إلا في صلاة العصر، وتبقى مقفلة طيلة اليوم، وليس هناك برامج لحث السجناء على الذهاب للصلاة وتشجيعهم على ذلك، ويقتصر الوعظ على شهر رمضان، دون أن نتحدث عن جودته وفعاليته والمواضيع التي يطرقها.
غياب مواكبة نفسية حقيقية، فغالب الأطر غير مؤهلة ناقصة التجربة، وحصص المواكبة النفسية هزيلة ودون المستوى، يتم فيها حكاية القصص وتجزية الوقت.
لكن رغم كل ما قلنا إلا أن السجن عرف تحولات وتطورات كبيرة، على مستوى بنياته وأطره وسياساته، فقد حكى لنا عدد من السجناء في سنوات ماضية، أنه كان يؤتى بالأطفال القاصرين من أجل ممارسة الجنس عليهم بمقابل مادي يدفعه السجين للحارس، فضلا عن جلب الباغيات من سجن النساء وحتى من خارج السجن، وجلب قنينات الخمر، بل وإتاحة الفرصة لعدد من الأباطرة لقضاء الليالي الحمراء خارج السجن نهايات الأسبوع، ثم العودة في سيارة المدير للمبيت داخل الزنزانة كأن شيئا لم يكن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *