ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ذ. امحمد رحماني

لو علم السّراق والمجرمون أن وراء حدود الله حدودا وعقوبات لعادت سارة لبيتها وفرحت للا عيشة ببنتها، ولكن للأسف وجدت حدود الله من يعطلها ويشوه صورتها، كما وجد المشرمل من يدافع عنه ويظهر براءته فصرنا في زمن الضد والعجب..

 كانت سارة فتاةً حباها الله بجمال تميزت به في حيها بمدينة الدار البيضاء، كان جُلُّ حُلْمِهَا أن تتخرج من مدرسة المهندسين بنقطة مشرفة تدخل بها الفرح والسرور على أمها للاعيشة التي جاهدت جهادا كبيرا حتى ترى بنتها صباح يوم الثلاثاء وهي تهيئ نفسها من أجل الذهاب لنيل شهادة التخرج، ظلت للاعيشة في بيتها مع أطفالها الصغار النهارَ كله تنتظر حلول بنتها سارة وقسمات الفرح تلامس وجنتيها الصغيرتين، طال انتظارها وترقبها حتى أمسى قلقا قاتلا، فهذه أشعة الشمس قاربت الغروب وبنتها لم تعد مُذْ خرجت غدوة الصباح.

أطبق صمت رهيب على المنزل قطعته رنات هاتفها النقال يستفسر فيه المتصل: أأنتِ والدة بنتٍ تلبس فستانا برتقاليا بغطاء رأس أسود؟ فتجيب: نعم أنا هي، خير أولدي ياك لاباس؟ فيطالبها بالحضور لمستشفى ابن سينا قسم جراحة المستعجلات، هرعت للاعيشة إلى المستشفى تحوقل فزعةً لا تعرف ما تقدم ولا ما تؤخر لترى بنتها الجميلة البريئة وقد تحول وجهها المشرق الجميل إلى خطوط حمراء داكنة قد غارت في الوجه بفعل سيف أحد المشرملين الذي لاذ بالفرار بعد أن شرمل وجه سارة وتركها مضرجة في بركة من دماء وجهها تستغيث المارة.

هذه قصة من عشرات القصص التي تقع لبناتنا وأخواتنا ونسائنا وأمهاتنا وهن يحاولن العيش والأمان في مجتمع ظهرت فيه ظاهرة التشرميل التي لم يكن يعرفها المغاربة إلا في مطابخهم وهم يعدون لحوم الأضاحي لمناسبات العام وأفراحه، وإذا بها أصبحت سلوكا يفرغ فيه المجرمون مكبوتاتهم ونوازعهم الإجرامية ويستعرضونه بصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي متباهين بعدد الوجوه التي شرملوها والمغانم التي حصّلوها من المواطنين البسطاء في أفظع صورة يقدمها المجرم وهو يرنو ببطولته الزائفة وفجوره المشين في المجتمع مفتخرا بعدد السنوات التي قضاها وراء القضبان حتى سمي بين أقرانه بالقبطان، لأنه جاوز العشر سنوات فيصير بذلك قبطان الحي وقائد المقاطعة في الإجرام، وقد يجد من الجمعيات من يدافع عنه تحت لافتة حقوق المجرم في الإجرام -عفوا- حقوق الإنسان في الحياة والحرية ويطالب له بالطعام اللذيذ والفراش الرطب الهنيء والتلفاز المعلق ليتابع تفاصيل إجرامه على إخبارية المساء، وكأنه بين أحضان أمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه قد قدم خدمة جليلة للمجتمع لا يستحق معه السجن والعقاب.

لهذا وأمثاله نقول جاءت الحدود في الإسلام، فلو طبقت الحدود وعلم السّراق والمجرمون أن وراء حدود الله حدودا وعقوبات لعادت سارة لبيتها وفرحت للا عيشة ببنتها، ولكن للأسف وجدت حدود الله من يعطلها ويشوه صورتها، كما وجد المشرمل من يدافع عنه ويظهر براءته فصرنا في زمن الضد والعجب يخون الأمين ويأمن الخائن، فأصبحت حدود الله التي شُرعت من أجل أمن المجتمع وسلامته، حدودا قاسية بشعة لا رأفة فيها ولا رحمة، فهذا السارق المسكين تقطع يده!!! والزاني المحصن المتلبس بخيانته المسكين يقتل بفحشه وخيانته!!! أي شيء أفظع من هذا عقوبة وجزاء؟؟؟.. يتساءل المدافعون عن الإجرام والإرهاب؟؟؟

لا أزال أتذكر يوما ناقشني فيه أحدهم وهو يرد الحدود: كيف نعيش في مجتمع كل أناسه مقطوعي الأيدي؟ هل هكذا تريد المجتمع؟

فأجبته: والله لقولك هذا أفحش في الناس من قولي إذ من خلاله تعتبر الناس كلهم سراقا قد قُطعت أياديهم، بينما شرع الله يرى في الناس الصدق والأمان وهو الأصل والأساس، والاستثناء هو الخيانة والغدر والإجرام، فالأصل في الناس الاستقامة، والعوج هو الاستثناء، وقد جاءت الحدود لتعديل العوج حرصا على استقامة المجتمع.

فالحدود لم تأت لقطع يد سارة ولا لرجم للاعيشة، وإنما جاءت لحماية وجه سارة وأمن للاعيشة.

ولو طبقت الحدود لما رفع رجل مالا بيده يجده أمام عتبة بابه فضلا أن يسرق مال غيره خوفا من أن تقطع يده.

ولو طبقت الحدود لما عرف الناس فيروس السيدا ولا الإيبولا ولا الزهري.

ولكن تعطلت الحدود فتعطلت الحياة؛ وصدق الله (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) ولا يفهم هذا إلا أولي الألباب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *