الريسوني حاوره: محمد زاوي

الريسوني*: المغرب دولة عظمى والعدوان الأخير على فلسطين سبب وجيه لإلغاء “التطبيع”

 

1- لا يخفى عليكم، د. أحمد الريسوني، ما للقدس والمسجد الأقصى من مركزية في عقيدة المسلمين. فحبذا لو تذكرون قراء “جريدة السبيل” ببعض معالم هذه المركزية، وكيف السبيل إلى إبقائها حية في ذاكرة وتصورات المسلمين؟

شكر الله لكم هذه الجهود المباركة في خدمة القضايا الإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى. المسجد الأقصى، طبعا، مكانته في الشرع معلومة ومذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية. فمكانته جزء من عقيدتنا ومن عباداتنا.

فمن عقيدتنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بنص القرآن، ثم من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، هذه مكانة كبيرة جدا وشرف كبير لهذا المسجد أن يحظى بالتوقف النبوي وبصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه في وقت مبكر من الدعوة الإسلامية ومن البعثة المحمدية، وأن يكون محطة لهذا الحدث الكبير، وهو حدث الإسراء والمعراج إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثاني، هو أنه قبلة للمسلمين. صلى المسلمون مدة طويلة يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى، تثبيتا لمكانته، واعترافا بفضله وقيمته وقدسيته، فهو قبلتنا، فهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها. المسلم يصلي في أي مسجد، وقد يختار مسجدا على آخر لسبب. وأنا دعوت وما زلت أدعو إلى أن يفتح الباب للمسلمين ليتوجهوا بملايينهم صوب المسجد الأقصى، أيا كانت النتيجة. علينا وعلى علمائنا دعوة المسلمين إلى شد الرحال. وكتبت بحثا في ذلك بعنوان “شد الرحال لمدافعة الاحتلال”. هذا ليس تطبيعا، إنما تطبيع مضاد، هذا التطبيع الحقيقي، وهو التدافع مع الاحتلال. لأن التطبيع الحقيقي، والذي يمكن أن نمارسه مع الاحتلال، وهو الوضع الطبيعي وهو المدافعة مع الاحتلال ومع الظلم ومع الاغتصاب… الخ.

فإذن هذه هي مكانة المسجد الأقصى باختصار لدى المسلمين، ويجب علينا أن نبقي هذه المكانة حية واضحة لا غبار عليها.

دعوت وما زلت أدعو إلى أن يفتح الباب للمسلمين ليتوجهوا بملايينهم صوب المسجد الأقصى، أيا كانت النتيجة.. علينا وعلى علمائنا دعوة المسلمين إلى شد الرحال.. وكتبت بحثا في ذلك بعنوان “شد الرحال لمدافعة الاحتلال”..

 

2- هل كان للانتفاضة الأخيرة دور في إعادة ترتيب الموازين بخصوص “صفقة القرن” ومشاريع التطبيع الرسمي لبعض الدول؟

هذه الانتفاضة الحالية التي ما زالت أطوارها متواصلة في فلسطين، وهذه المعركة الكبرى التي خاضها الشعب الفلسطيني بكل مكوناته في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة سنة 1948 وفي خارج فلسطين، وهذه الانتفاضة التي شاركت فيها الشعوب الإسلامية والعربية ولو بشكل رمزي ومحدود؛ هذه الانتفاضة أعتبرها كما اعتبرها عدد من الدارسين والمراقبين هي فصل جديد فتح في معركتنا مع اليهود ومع الاحتلال، مع اليهود المغتصبين، اليهود المجندين في إسرائيل.

أما اليهود المقيمون بين أظهرنا، فشأنهم شأن مواطنينا رعاية وإحسانا. لكن معركتنا مع اليهود المحتلين من أي قطر جاؤوا ومن أي قارة جاؤوا، هذه معركة طويلة.

والآن، فتح فصل جديد في هذه المعركة. فهذا أولا، لأن هناك تحولات كبيرة جدا. طبعا، المقاومة التي هي شباب عزل تصلهم بعض الأشياء، بعض المواد أو بعض النقود بشق الأنفس، فالحصار على غزة بحري وبري وجوي وبنكي. البنوك كلها لا يمكنها أن تحول إلى غزة إلا ما تحوله البنوك الإسرائيلية وعن طريقها.

في ظل كل هذه الأشكال من الحصار الخانق، وهو أيضا حصار تجويع وتعطيش، حصار ضد الدواء والماء والغذاء. ومع ذلك، يصنعون ما صنعوه. فعلا، هذا شيء باهر وتحول كبير.

فالمستوطنون والمهجرون من شتى أنحاء العالم إلى فلسطين، الآن يعيشون في نفوسهم زلزالا حقيقيا ويفكرون في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ومستقبل مشروعهم، بل ومستقبل حلمهم الذي كانوا يظنون أنهم قد أسسوه وأتقنوه وأمنوه من جميع الجهات، وخاصة في الشهور الأخيرة. الآن كل شيء يتزلزل. وكذلك انتصرت هذه الانتفاضة بأنها وضعت حدا لاستهتار المستوطنين وجنودهم وجيشهم الذين كانوا كلما أرادوا أن يقتحموا المسجد الأقصى، تنادوا واقتحموه، وأحيانا كانوا يغلقون بعض أبوابه، وأحيانا يمنعون المصلين بصفة كاملة.

الآن، هذا انتهى. المقدسيون استكملوا الثقة في أنفسهم، وتدربوا على مقاومة هذه الاقتحامات، وعرفوا أنهم متى وقفوا بصلابة وتوحد فإنهم يدحرون هذه الهجمات الاستيطانية التي تحلم بخرافة هيكل سليمان وما إلى ذلك، وإقامته وإحيائه وكلها عبارة عن “أساطير مؤسسة للسياسة الإسرائيلية” على حد تعبير روجي غارودي رحمه الله.

هذه بعض الانتصارات، وبعض وجوه الانتصار للمعركة الحالية التي توقفت عسكريا أول أمس.

هذه المعركة، وهذه الانتفاضة، وحدت الشعب الفلسطيني، أعادت للقضية صدارتها وأولويتها في العالم كله، وفي العالم الإسلامي تحديدا، وفي العالم العربي بصفة أخص. وهذا هو النصر الأكبر.

 

3- هناك بعض المواقف التي أعادت اللعب من جديد على أوتار “العلاقة بين الشيعة والسنة”، كيف تقيّمون هذه المواقف؟

نعم، أنا سمعت القائد الفلسطيني ورئيس حركة حماس الأستاذ إسماعيل هنية وهو يقدم الشكر ويشيد بالموقف الإيراني لما قدّمه من تمويل وتسليح، يعني من مساهمة، وإلا فالجهود الذاتية للمقاومة كبيرة جدا. وهذا هو الإسلام، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

كيف؟ إيران، هذا شيء معروف، أنها هي الوحيدة التي تساعد في السلاح، هي وقطر الوحيدان اللذان يمولان الحياة الاجتماعية والمعيشية داخل قطاع غزة. هذا شيء معروف، ولا يمكن إنكاره أو جحوده، ولا يمكن إلا أن نشكر من يقومون بهذا.

هناك بعض الدول ترسل بعض الفتات إلى السلطة الفلسطينية، لأن هذا لا يغضب بل هذا يرضي “إسرائيل” لأنه يحل لها بعض المشاكل التي عليها هي أن تحلها. حتى لو فرضنا أن بعض اليهود المحاربين لإسرائيل والذين لا يعترفون بإسرائيل جمعوا مساعدات وقدموا دعما بشكل من الأشكال إلى غزة، لكان علينا أن نشكرهم ونثني عليهم. فإذن، حتى العدو والمسيء إذا أحسن، نقول له أحسنت. فكيف بإيران، الدولة المنغرسة تاريخيا ودينيا في المنطقة، ولا مفر من التعامل معها. فإذن، إيران مشكورة، وقطر مشكورة، وكل من يساعد الفلسطينيين سرا أو علانية، فله الشكر وندعو له بالخير.

4- كيف تقيم مواقف الدولة المغربية الرافضة لجرائم الاحتلال الصهيوني، خاصة أنها جاءت بعد زمن وجيز من “استئناف العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل”؟

بخصوص موقف الشعب المغربي وهبته الحالية التي ما زالت متواصلة لنصرة القضية الفلسطينية، فهذه المواقف المغربية، وهذه الانتفاضة المغربية الشعبية ليست جديدا طبعا.

في المغرب، مدينة الرباط ومدينة الدار البيضاء شهدتا مسيرات مليونية. ولولا المنع الذي تعرضت له مسيرة الأحد للأسباب المعروفة، لكنا أمام مسيرة مليونية ليوم الأحد. فإذن، هذا ليس جديدا على المغاربة في موقفهم من القضية الفلسطينية. وهذا الدرس، حقيقة، يجب أن تستوعبه الدولة المغربية والسياسة المغربية. يجب أن تكون متطابقة ومتناغمة مع الإرادة الشعبية، ومع الموقف الشعبي. بل القيادة المغربية، ليس مطلوبا منها فقط أن تكون متناغمة. بل هي نفسها من هذا الصنف.

فالمغرب أرسل قواته للقتال في الجولان وسيناء في 1967، وفي 1773. أي أنه يعتبر “إسرائيل” عدوا تحارَب بالجيش، ويرسل جيشه آلاف الكيلومترات ليقاتل “إسرائيل”. فهذا هو الموقف الطبيعي، والموقف الطبيعي هو أن المغرب استلم لجنة القدس برضا وطواعية، ويتشرف بهذه اللجنة وبرئاستها.

إذن، هذا التطبيع الأخير الذي وقع منذ أشهر كان انزلاقة استثنائية وغير لائقة، لا بالشعب المغربي، ولا بالدولة المغربية، ولا بالتاريخ المغربي، ولا بمكانة المغرب. المغرب ليس هو البحرين يا جماعة، المغرب ليس هو الإمارات يا ناس، المغرب دولة عظمى من بين الدول الإسلامية. أتى على المسلمين قرون، وعندهم دولتان عظميان: الدولة العثمانية والدولة المغربية.

بل الدولة المغربية كانت تنافس الدولة العباسية وتنازعها الشرعية، خاصة أيام الأدارسة. فالمغرب ليس كهذه الدول المخترعة مؤخرا، مثلما اخترعت إسرائيل. فاحفظوا للمغرب مكانته التاريخية والحضارية والدينية.

هذا التطبيع الأخير الذي وقع منذ أشهر كان انزلاقة استثنائية وغير لائقة، لا بالشعب المغربي، ولا بالدولة المغربية، ولا بالتاريخ المغربي، ولا بمكانة المغرب. المغرب ليس هو البحرين يا جماعة، المغرب ليس هو الإمارات يا ناس، المغرب دولة عظمى.

ـــــــــــــــ

* رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *