الغلو في الصالحين وخطره على توحيد رب العالمين علي حاجبي

الغلو هو تجاوز الحد(1)، والغلو في الصالحين معناه: تجاوز الحد الشرعي في محبتهم والثناء عليهم. والصالحون هم: القائمون بحق الله وحق عباده، وعلى هذا يدخل فيهم الملائكة، وصالحوا الجن، بالإضافة إلى صالحي بني آدم (2)، فكل هؤلاء لا يجوز الغلو فيهم.

والغلو في الصالحين يؤدي إلى تنزيل المغلو فيه فوق منزلته، وربما أدى إلى عبادته كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: “وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً” قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت” (3).
ولخطورة الغلو في الصالحين على توحيد رب العالمين ورد النهي الشديد عنه في الشرع قال الله: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ”، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: “إياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين” (4)، بل إن النبي عليه السلام حذر منه بدء بشخصه عليه السلام فقال: “لا تطروني (5) كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله” رواه البخاري ومسلم.

صور الغلو في الصالحين
للغلو في الصالحين صور نذكر منها ثلاثة وهي: الغلو في الأنبياء، والغلو في الأولياء، ثم الغلو في العلماء.
الغلو في الأنبياء
من المعلوم أن الأنبياء بشر كسائر البشر اصطفاهم الله لهداية الناس، لكن أقوامهم غلوا فيهم حتى رفعوهم عن حدود البشرية، بل حتى ادعوا لهم بعض خصائص الربوبية والألوهية، فقد غلت النصارى في عيسى عليه السلام وادعت أنه ابن الله بل جعلته إلاها، وغلت اليهود في عزير حتى ادعت أنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وغلت كثير من طوائف المسلمين في رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم حتى ادعوا أنه نور وادعوا أنه أول خلق الله، بل ادعت أنه يعلم الغيب وغير ذلك من خصائص الربوبية كما قال قائلهم (6):
وإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
بل إن الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام وصل إلى حد دعاءه من دون الله كما قال قائلهم (7):
يا سيدي يا رسول الله يا أملي يا موئلي يا ملاذي يوم تلقاني
هب لي بجاهك ما قدمت من زلل جودا ورجح بفضل منك ميزاني
وكل ما ذكر من مظاهر الغلو وغيره حرام بنصوص الشرع، بل قد يصل بصاحبه إلى الشرك عياذا بالله تعالى، ومن أبرز الطوائف التي ظهر فيها الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام: الصوفية، هذا مع تقصير بين لذي عينين في باب الاتباع له عليه الصلاة والسلام على الرغم من ادعائهم لمحبته.

الغلو في الأولياء
من مظاهر الغلو في الأولياء قصدهم من دون الله لدفع ضر أو جلب نفع، واعتقاد تدبيرهم للكون مع الله حتى بعد موتهم، وادعاء العصمة لهم كما هو حال الروافض مع أئمتهم، وغير ذلك وكل هذا من باب الباطل الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاربته.

الغلو في العلماء
جعل الله للعلماء مرتبة رفيعة في الدين ومنزلة سامية بين المسلمين، لكن لا يجوز تقليدهم في أمر خالفوا فيه الشرع اجتهادا، ولا اتباعهم على خلاف مقتضى الدليل (8)، ولا الاقتداء بهم في تحليل حرام ولا تحريم حلال (9)، فكل ذلك من باب الغلو ولا شك أن للغلو في الصالحين أسبابا منها: الجهل، ومنها تقليد الآباء والأجداد، وغلبة الأهواء، وغير ذلك، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: القاموس ص:1318.
2: كثيرا ما تغلو العامة في بعض أهل القبور على اعتقاد أنهم من الأولياء الصالحين وبالرجوع إلى سيرهم يتبين أنهم عن الصلاح بمعزل.
3: ما أشبه الليلة بالبارحة فإن كثيرا من أهل زماننا اليوم غلوا فيمن اعتقدوا فيهم الولاية والصلاح حتى ادعوا فيهم أمورا ليست إلا لله تعالى، كجلب النفع ودفع الضر، وتيسير الرزق والولد، وغير ذلك، ولذلك صاروا يتقربون إليهم بأنواع من القربات كالذبح وغيره والله المستعان.
4: أخرجه النسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
5: لا تجاوزوا الحد في مدحي.
6: البوصيري.
7: هو عبد الرحيم البرعي.
8: لمن كان من أهل الفهم للدليل.
9: مع أن ذلك لا يقع منهم إلا اجتهادا وهم مأجورون على كل حال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *