يحرقون الأطفال.. ويذبِّحون الآمنين.. ويهدمون البيوت علي رؤوس ساكنيها بالجرافات وآلات الدمار.. يرتكبون المجازر وأبشع الجرائم.. يحاصرون شعبا بأكمله ويجوعونه، ويحرمونه من أدنى حقوقه.. كل ذلك وبدلا من أن تجري الدماء في عروقنا طلبا لنصرة إخواننا ودفع الصائل عنهم، نجري معهم المشاورات.. ونصافحهم في المؤتمرات.. ونعد معهم لإجراء اللقاءات والزيارات.
فقد نقلت صحيفة “هآرتس” عن مصادر بارزة بالقدس أن: “إسرائيل والمغرب يجريان اتصالات هادئة تمهيدا لزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني للمغرب خلال الأسابيع المقبلة، وهي أول زيارة سيقوم بها وزير خارجية إسرائيلي إلى الرباط منذ الزيارة التي قام بها سيلفان شالوم عام 2003”.
علما أن وزيرة خارجية الحكومة الصهيونية “تسيبي ليفني” حسب ما أوردته كل من صحيفة “الصنداي تايمز البريطانية” وموسوعة “ويكيبديا” هي تلميذة وفية لمؤسس حزب كاديما “أرييل شارون” الذي يرقد حاليا بين الحياة والموت والذي حملته لجان التحقيق الصهيونية المسؤولية عن مجازر صابرا وشاتيلا التي راح ضحيتها أعداد كبيرة من الفلسطينيين العزل، ووالداها “إيتان وسارة ليفني” هما من أفراد منظمة “الإرجون” التي كانت منظمة مسلحة بقيادة “مناحيم بيغن”، و”ليفني” كانت عميلة لدى الموساد في باريس في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت وكالة الاستخبارات الصهيونية تدير سلسلة من عمليات الاغتيال لمسؤولين بمنظمة التحرير الفلسطينية في بعض العواصم الأوروبية، ودورها آنذاك في الموساد ظل طي الكتمان.
وما لبثت ليفني أن استقالت بعد ذلك وعادت إلى الكيان الصهيوني لاستكمال دراستها في القانون، متذرعة بالضغوط التي تواجهها في عملها، والتحقت ليفني بالموساد بعد أن تركت الخدمة العسكرية وهي في رتبة ملازم أول.
تلك كانت صورة موجزة لمرشحة حزب كاديما لخوض انتخابات الكنيست المزمع إجراؤها في فبراير القادم، صورة موجزة لواحدة من صناع القرار في الدولة الصهيونية الغاشمة، صورة موجزة لواضعي السياسة الصهيونية العاملة على قتل الأبرياء وتشريدهم وعقوبة شعب بأسره لارتضائه حكومة وفق قواعد (الديمقراطية) المزعومة التي ينادي بها الغرب! ولكن يبدو هذه المرة أن الديمقراطية لم تأت نتائجها متوافقة مع المزاج الصهيوني/الغربي، ولذلك تقرر معاقبة الشعب المسكين وحرمان أطفاله من الغذاء والدواء أمام صمت العالم المتحضر المنادي بحقوق الإنسان! وإطلاق الحريات في المؤتمرات والمحافل الدولية!
إن استعراضا موجزا لمجمل الانتهاكات التي تمارسها القوات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، يكشف لنا عن حقيقة هامة، وهي أن النفسية الإرهابية لا يمكن أن تتغير بتغيير الأسماء، فتغيير أسماء (الهاغاناة، والبالماخ، والأرغون، واشتيرن) إلى اسم “جيش الدفاع الإسرائيلي”، لا يعني مطلقا أن تركيبتها النفسية والخلقية وتصورها للعلاقات الإنسانية وموقفها من المسلمين قد تغير، فأكثر رجالات هذه العصابات وقادتها هم ممن قاد ويقود دولة الكيان الصهيوني وجيشه، وخير دليل على ذلك ما يعانيه إخواننا في غزة خصوصا وأبناء الشعب الفلسطيني عموما.
وأقول لمن يصدع رؤوسنا بالحديث عن التسامح والتعايش: من فضلكم لا تحدثوا المسلمين عن التسامح الديني ونبذ الحقد والكراهية، واذهبوا هنالك إلى غزة والخليل.. وشنفوا أسماع المستوطنين حاملي الكلاشنيكوفات والرشاشات التي تخترق رصاصتها الغزيرة صدور الأبرياء من أبناء فلسطين الأبية، فكل حديث عن التسامح يتلاشى عندما نتحدث عن اليهود والنصارى وكأن المسلمين هم من يصنع ويجرب الأسلحة النووية وغيرها في هذا العالم الضيق على المسلمين الفسيح على كل صهيوني أو صليبي.
وفي الختام فلسنا ندري من أيهما نعجب، أمن وقاحة ذلك العالم الغربي الذي لم يبال بمخالفة مبادئه وقوانينه التي يطبل لها ليلا ويزمر بها نهارا، أم من الصمت المطبق للدول الإسلامية وتطبيعها للعلاقات مع من لطخت -ولا تزال- أيديهم بدماء المسلمين الأبرياء.