الداء والدواء في جناحي الذبابة

قام الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم حسن أستاذ الحشرات الطبية ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض بكلية العلوم (بنين) بجامعة الأزهر بالقاهرة بإجراء بحث للتعرف على الداء والدواء في “حديث الذباب” للرسول صلى الله عليه وسلم.
“روى البخاري في صحيحه وابن ماجة في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)”.
تركز بحث الدكتور مصطفى إبراهيم حسن على أربعة أنواع من الحشرات وهي: الذبابة المنزلية Musca domestica، ذبابة الإسطبل الكاذبة Muscina stabulans، ذبابة الرمل Phlebotomus papatasi، والبعوضة المنزلية .Culex pipiens
تم تجميع هذه الحشرات من بيئات مختلفة في محافظات (الجيزة، القاهرة، وجنوب سيناء) وذلك بواسطة الشبكة الهوائية أو بشفاط البعوض الكهربائي. بعد ذلك تم فصل الجناحين الأيمن والأيسر ووضع كل منهما على حدة في محلول فسيولوجي معقم. أخذ 50 ميكرولتر من كل عينة ووضع في ست أوساط غذائية مختلفة اختيارية وغير اختيارية لعزل أكبر عدد ممكن من الكائنات الدقيقة.بعد ذلك تمت دراسة النشاط ضد الميكروبي لأنواع البكتيريا المختلفة ضد بعضها، تلتها عملية التخمر، ثم استخلاص وتنقية المركب الأيضي، واختتم البحث بتقييم أقل تركيز مثبط للبكتيريا.
أسفر البحث عن وجود كثافة عددية عالية من أنواع عديدة من البكتيريا على جناحي الثلاثة أنواع من الذباب بينما قلت أعداد البكتيريا وأنواعها على جناحي البعوضة. كما اتضح أن أكثر أنواع البكتيريا شراسة هو نوع B.circulans الذي يفرز مادة مضادة للحيوية (Antibiotic) لكثير من أنواع البكتيريا الأخرى سواء سالبة أو موجبة الجرام.ولقد لوحظ تواجد هذه البكتيريا بكثافة عالية على الجناح الأيمن للذباب. كما اتضح أيضا قدرة البكتيريا B.circulans على قتل الأنواع الأخرى من البكتيريا في زمن قصير جدا. وهي البكتيريا التي تنقل العديد من الأمراض للإنسان. كما لوحظ وجود أنواع من الفطريات التي تفرز أيضا مواد مضادة للحيوية لكثير من أنواع البكتيريا.
إذا رجعنا إلى نص الحديث نجد أن حرف الفاء في “فليغمسه” يفيد السرعة، بينما “ثم” تفيد التراخي والبطء. لذلك فأمر الرسول بغمس الذباب بسرعة لأنه يتعلق على سطح السائل لوجود التوتر السطحي، وكلمة ثم بعد الغمس تعطي فرصة للأنواع المفيدة من البكتيريا والفطريات لكي تفرز المواد المضادة للحيوية (الدواء أو الشفاء) لكي تقضي على البكتيريا الضارة (الداء). ولقد ثبت أنه حتى لو أكل الإنسان أو شرب من الإناء فإن المادة الفعالة تظل نشطة في أمعاء الإنسان لأن هذه البكتيريا في حالة معايشة في أمعاء العائل. كما أنها تتحمل درجات الحرارة العالية، تأثير الإشعاع، تأثير المواد الكيميائية والبرودة، أي أن الذباب حتى لو سقط في إناء به طعام أو شراب ساخن أو بارد فإن البكتيريا المفيدة (الدواء) تظل نشطة وتفرز المادة الفعالة القاتلة لأنواع البكتيريا الأخرى بأقل تركيز وهو mg/ml 5 أي أن 5 جم من المادة كافية لتعقيم 1000 لتر من اللبن أو أي سائل أو طعام.
كما أن الأمر النبوي بغمس الذباب فيه وجه من الإعجاز حيث أن إفراز أنواع البكتيريا النافعة والفطريات لهذه المواد لا يتم إلا في وجود وسط، وهو هنا الطعام أو الشراب الموجود داخل الإناء، حيث يسمح هذا الوسط لأن يتقابل كل من الداء والدواء وجها لوجه بدون عوائق ويتم الالتحام، وعند ذلك تقوم الكائنات المفيدة بالقضاء على الكائنات الضارة. ولقد وجد أن المادة المضادة للحيوية التي تقتل البكتيريا لا تتحرر من الخلايا الفطرية إلا إذا امتصت السائل وعند ذلك فإنه بواسطة خاصية الضغط الأسموزي تنتفخ ثم تنفجر وتطلق محتوياتها التي تقوم بالقضاء على البكتيريا الضارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *