قال الله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال: “نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسير خمسمائة سنة”. صحيح موقوفا وله حكم الرفع وقد أخرجه مسلم من طريق جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
مالك عن يحي بن سعيد عن أبي شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال: “ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، أيقظوا صواحب الحجر”. صحيح مرسل وقد وصله البخاري.
ها نحن نستقبل الصيف وكلنا أمل على أن تتغير الحال ويتفطن الناس إلى أصالته، ويفكروا في مصيرهم بل عليهم أن يعرفوا أنه ليس بالمسلمين علة ولا داء أعظم من تركهم الاستمساك بدينهم، ولما أقول ترك الاستمساك بالدين فإني أقصد الكلمة بعينها إذ لا علاج إلا بالرجوع إلى هذا الدين جملة وتفصيلا دون التفريق بين اللب والقشور، -كما يزعم البعض- لأن اللب محفوظ بالقشور والله سبحانه وتعالى كما أنه أنزل الداء فإنه أنزل الدواء.
أقول هذه الكلمات وكلي شفقة وحزن على أولئك وعلى اللائى تنكبوا وتنكبن الطريق، وانخدعوا وانخدعن بالحدارة عفوا أقصد الحضارة إلى درجة هذا الانحلال الخلقي الذي أصبحنا نعيشه ونراه، بل يعتبر المتخلق والمستحيي المحافظ والمحافظة على جلباب الحياء غريبا ومتجاوزا وغير مساير، بينما المتهتك العاري والسافرة قلبا وقالبا هو النموذج المرغوب فيه والمحبوب.
نعم أيها الفضلاء إن الله أمر بالستر بل حذر بني آدم من أن يفتنوا بالشيطان كما وقع للأبوين آدم وحواء فـ{يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا} مع أن الأصل في المرأة على أنها لباس الرجل، وكذلك الرجل هو لباس للمرأة كما قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الحسن الذي رواه أحمد والحاكم والبيهقي: “احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك”، ومع هذا كله فإن الفطر السليمة تأبى ذلك في بعض الأحاديث لأن إطلاق العنان في المباحات قد يفضي إلى الإسراف الضار، والشيء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده، وهذه -يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في تفسيره- “حكمة عالية لا يفقهها إلا حكيم خبير يعلم أن من أعطى نفسه منتهى ما يقدر عليه من اللذة -وإن مباحة- فلم يقف عند حد أدب شرعي، ولا فطري ولا طبي، آل أمره في الإسراف إلى إضعاف هذه اللذة، حتى يحتاج في إثارتها إلى المعالجة والأدوية ثم لا تكون إلا ناقصة ويكرر إضعافها بعد إثارتها بسنة رد الفعل حتى تكون مرضا، ويكون صاحبها حرضا أو يكون من الهالكين”.
هذا أيها الأفاضل كله في المباح فكيف بمن أطلق العنان لغير المباح فهلك وأهلك فوالله إننا لنشفق على الشباب من هذه المناظر والصور التي يمرون عليها مصبحين وبالليل، وخصوصا المستقيمين منهم الذين اختاروا المقاومة وعدم الركوع، فنقول لهم اصبروا فإن موعدكم الجنة إن شاء الله، كما نقول لهؤلاء النسوة الكاسيات بالاسم العاريات في الحقيقة اتقين الله عز وجل في شباب الأمة وتذكرن يوم القيامة والوقوف بين يدي الله عز وجل، وتذكرن قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في أحاديث الباب: “كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة”.
كما على الأمة أن تحذر سنة الله في خلقه، وأن تتذكر أنه سبحانه وتعالى حذر أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من المخالفة في كل الأمور مع أنه سبحانه وتعالى قد رضي عنهم ورضوا عنه ولستم أكرم عليه منهم، بل لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ومع هذا كله قال سبحانه وتعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
هذا وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم تسليما.