الأديب ابن الونان (الشمقمق) (1187هـ = 1773 م) أحمد السالمي

أحمد بن محمد بن محمد التواتي الحميري، أبو العباس المعروف بابن الونان: شاعر، من أهل فاس مولده ووفاته بها ينتسب إلى حمير.
كان أسلافه من سكان توات في صحراء المغرب مما اختطته زناتة ثم انتقلوا إلى فاس.
وكان له، ولأبيه من قبله، اتصال بالمولى محمد ابن عبد الله (المتوفي سنة 1204هـ) له نظم كثير فيه هجاء وإقذاع.
والمولى محمد بن عبد الله الممدوح بهذه القصيدة كنى والد ابن الونان بـ(أبي الشمقمق) فاتصلت به هذه الكنية، وعرفت أشهر قصائده بالشمقمقية، وإذ تعذر عليه الوصول إلى السلطان الممدوح اتخذ راية ونادى بالمفرد الرجزي المشطور:
يا سيدي سبط النبي أبو الشمقمق أبي
فعرفه السلطان وأمر بإحضاره فحضر وأنشد القصيدة فوقعت منه موقعا وأجزل صلته، ورفع منزلته1.
أخذ عن جماعة من العلماء كالعلامة أبي عبد الله جسوس، وأبي حفص الفاسي، والشيخ أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة، والعلامة محمد بن الحسن بناني وغيرهم، وأخذ الأدب عن أبيه1.
اشتهرت وشرحها جماعة، منهم الناصري السلاوي صاحب الاستقصا، في مجلدين مطبوعين حيث قال رحمه الله مادحا الشمقمقية وصاحبها: “إن أجل ما ألف في هذا الفن الكثير الأفنان، الذي لا يختلف في فضله وشرفه اثنان، أرجوزة الأديب الماهر، العلامة الباهر، أبي الحسن أحمد بن محمد الونان، فهي لعمري المنظومة التي أفرغ ناظمها كنانة الأدب فيها ونثَلْ2، وسار ذكرها بين طلاب العلم ورواة الشعر سير المثل، حتى لقد أخمل ذكر ما تقدمها من المطولات والمقاصير، وغصت بمكانها من الأدب الدريدية والحازمية وغيرهما من المقاصير، فلله در ناظما الذي جمع فأوعى، وحاول النظم فأجاد وضعا وأحسن صنعا.
إلى أن قال رحمه الله: “..فلذا عولنا على ما صححناه من هذه المنظومة، وسلكنا في ذلك والحمد لله طريقة لمن قبلنا معلومة، ففضت ختامها، وسهلت مرامها، وشرحت معانيها، وشيدت مبانيها، فعادت والحمد لله الأرجوزة الونانية إلى شبابها، وظهرت محاسنها لطلابها، وسهل عليهم الولوج في غابها، بما ذللته من صعابها، وخف مهرها على خطابها، بما حططته من نقابها، وكشفته من جلبابها، فجاء هذا الشرح والحمد لله شرحًا حفيلاً جامعا، لفنونها وبأغراضها كفيلا، وسميته بـ: (زهر الأفنان من حديقة ابن الونان)”3.
كما قام بشرحها الشيخ المكي بن محمد البطاوري رحمه الله الذي سمى شرحه (اقتطاف زهرات الأفنان من دوحة قافية ابن الونان) وشرحها شيخُ الجماعة بسلا الفقيه الأديب أبو عبد الله محمد بن أحمد الجريري السلاوي رحمه الله، كما قام بشرحها شرحا مختصرا العلامة عبد الله كنون رحمه الله.
وهذه بعض الأبيات منها:

مَـهْـلاً على رِسْلِكَ حَادِي الأَيْنُقِ
فَـطـالَـمَـا كَـلَّـفْـتَها وَسُقْتَها
ولَـمْ  تَـزَلْ تَـرْمِي بِها يَدُ النَّوى
ومَـا ائْـتَـلَـتْ تَـذْرَعُ كُلَّ فَدْفَدٍ
وكُـلَّ أبْـطَـحَ وأجْـرَعَ iiوجِـزْ
مَـجـاهِـلٌ تَـحَـارُ فِيهِنَّ iiالقَطَا
لَـيْـسَ  بِها غَيْرُ السَّوافِي والحَوا
والـمَـرْخِ والعَفَارِ والعِضَاهِ والْـ
والـرِّمْثِ  والـخُلَّةِ والسَّعْدانِ والـ
وعُــشَـرٍ ونَـشَـمٍ وإسْـحَـلٍ
والـسِّـمْعِ واليَعْقُوبِ والقِشَّةِ والـ
والـلـيْـلِ والنَّهارِ والرِّئالِ والـ
ولَـمْ تَـزَلْ تَـقْطَعُ جِلْبابَ الدُّجَى
فـمَـا  اسْتَرَاحَتْ مِنْ عُبُورِ جَعْفَرٍ
إلاَّ  وفِـي خَـضْخَاضِ دَمْعِ عَيْنِها
كَـأَنَّـمَـا رَقْـرَاقُـهُ بَـحْرٌ طَمَا
وكُـلُّ  هَـوْدَجٍ عَـلـى أقْـتابِها
مَـرَّتْ بِـها هُوْجُ الرِّياحِ فَهْيَ فِي
وَكَـمْ  بِـسَوْطِ البَغْيِ سُقْتَ سُوقَهَا
حَـتَّى غَدَتْ خُوصاً عِجافاً ضُمَّراً
مَرْثُومَةَ الأيْدِي شَكَتْ فَرْطَ الوَجَى
قَـدْ ذَهَـبَـتْ مِـنْها المَحَاسِنُ بإِدْ
كَـأَنَّـهـا  لَـمْ تَـكُ قَبْلُ انْتُخِبَتْ
….

ولا  تُـكَـلِّـفْـهَـا بِـمَا لَمْ تُطِقِ
سَـوْقَ فَـتًـى مِنْ حالِها لَمْ يُشْفِقِ
بِـكُـلِّ  فَـجٍّ وفَـلاةٍ سَـمْـلَـقِ
أذْرُعُــهَـا  وكُـلَّ قـاعٍ فَـرَقِ
عٍ وصَــرِيـمَـةٍ وكُـلَّ أبْـرَقِ
لا دِمْـنَـةٌ لا رَسْـمُ دارٍ قَـدْ بَقِي
صِـبِ  الـحَـراجِيجِ وكُلِّ زِحْلِقِ
ـبَـشَـامِ والأثْـلِ ونَبْتِ الخَرْبَقِ
ثَّـغِـرِ وشَـرْيٍ وسَنـَا وسَمْسـَقِ
مَـعَ ثُـمَـامٍ وبَـهَـارٍ مُـونِـقِ
سِّـيـدِ الـسَّبَنْتَى والقَطا iiوجَوْرَقِ
ـهَـيْـثـَمِ  مَـعْ عِكْرِمَةٍ وخِرْنِقِ
بِـجَـلَـمِ  الأيْـدِي وسَيْفِ العُنُقِ
ومِـنْ صُـعُـودٍ بِـصَـعِيدٍ زَلَقِ
خَـاضَـتْ وغَابَتْ بِسَرابٍ مُطْبِقِ
والـنُّـوقُ أمْـواجٌ عَـلَيْهِ iiتَرْتَقِي
مِـثْـلُ سَـفـينٍ ماخِرٍ أوْ زَوْرَقِ
تَـفَـرُّقٍ حِـيـنـاً وحِـيناً تَلْتَقِي
سَـوْقَ  الـمُـعَـنِّفِ الذي لَمْ يَتَّقِ
أَعْـنَـاقُـهَـا  تَشْكُو طَويلَ العَنَقِ
لَـكِـنَّـهَـا تَـشْـكُو لِغَيْرِ مُشْفِقِ
مَـانِ  الـسُّـرَى وقِـلَّـةِ التَّرَفُّقِ
مـن  كُـلِّ قَـرْواءَ رَقُـوبٍ فُنُقِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: ونَثَل كِنانته نَثْلاً: استخرج ما فيها من النَّبْل، وكذلك إِذا نفضت ما في الجراب من الزاد.
2: انظر مقدمة زهر الأفنان من حديقة ابن الونان للعلامة المؤرخ خالد الناصري رحمه الله.
3: انظر مقال “ابن الونان والأدب في عهد السلطان السلفي محمد الثالث” مجلة دعوة الحق العدد2 السنة 18 ربيع الأول 1397هـ/مارس 1977م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *