عدد 22 – 24 جمادى الأولى 1325هـ الموافق 6 يوليوز 1907

سبق في العدد الماضي الإشارة إلى أسر السير ماكلين الحراب الانجليزي من طرف الريسوني، وتقدم في هذه الحلقة تغطية اللسان للحادث:
القايد سير مكلين أسير الريسولي
إن حديث دوائر طنجة بل حديث دوائر أوربة بأسرها هو أسر الريسولي لحضرة القائد السير مكلين ولما كان الأمر من الأهمية بمكان نبسطه كما هو دون أن نبدي الآن رأيا في نتائجه.
شاع مساء الثلاثاء في المدينة (ونظن أن أول من تناول الخبر عصر النهار هي إدارة لسان المغرب)، إن السير هنري مكلين قائد الجيوش الشريفية: وقع أسيرا بيد الريسولي، وإنه موجود الآن في حرم سيدي يوسف تلده، ويوم الأربعاء طيّر هذا الخبر مرسلوا الأنباء ومكاتبو الجرائد إلى دوائرهم في أوربة تذاع في العالم أجمع.
ومما هو معلوم عند الجميع أن الريسولي التجأ منذ بضعة أشهر إلى الخماس وهو يعيش هناك عيشة انقطاع واختفاء، وكان قد فوض إلى القائد المومئ إليه أن يتخابر معه بشأن الحصول على الأمن السلطاني بعد تقديمه الطاعة لجانب المخزن الشريف كما ذكرنا ذلك في وقته. فجرت المقابلة الأولى بين الاثنين في 30 مايو الماضي، وذلك في دشار رحونه على مسافة 4 ساعات ونصف من القصر.
وكان قائد محلة القصر قد أرسل مع القائد مكلين في هذه المناسبة مائة خيالا وبعض أنفار من بني شريف، وكان مع الريسولي نحو مائتين رجل.
فوقف الفريقان على مسافة على مسافة خمسمائة ذراعا من بعضهما يفصل بينهما نهر هناك، فتقدم القائد مكلين أولا تاركا رجاله وراءه بعيدا، واجتاز النهر للقاء الريسولي، وهكذا فعل الريسولي من جهته، وشرع الاثنان بالمحادثة.
وقد أظهر الريسولي إذ ذاك رغبته في الخضوع والطاعة للأمر السلطاني، ولكن السير مكلين لم يسعه أن يقبل بعض مطالب اقترحها الريسولي منها أن يكون تحت حماية أوربية، ومنها أنه يؤثر السكنى في العرائش أو أزيلا أو تطاون على الإقامة في العاصمة، ومنها أن يجدد بناء مسكنه في الزينات وترجع أملاكه إليه.
فتوجه القائد من هناك إلى فاس وعرض ما وقع على المخزن الشريف فلم تفز هذه المطالب بالقبول، وعندها أرسلت التعليمات أن تعاود مطاردة الريسولي، فصدرت الأوامر إلى محلة تطاون، وإلى القائد ابن البغدادي أن يستعد لقتال الخماس. فلما علم الريسولي بذلك أرسل رسولا إلى القائد مكلين في فاس قائلا أنه رجع عن مطالبه التي طلبها، وأنه يقبل الأمان السلطاني بدون شرط، فأرسلت في الحال التعليمات إلى الوزارة الحربية أن تتوقف عن الهجوم، ولكنها تكون على استعداد.
ومما يدل على حسن نية المخزن الشريف من نحو الريسولي وسلامة قصده أنه أطلق عندئذ سراح أحد رجاله (ابن كرون) الذي كان مسجونا في القصبة، وأمر المحلة في الزينات أن لا تمس الحقول المزروعة هناك.
وقد أتى القائد مكلين من فاس بهدايا الريسولي وهي أربعة من جيد الخيل وبغلتان، وعشرة خيام وأنسجة حريرية، ومثل ذلك.
ويوم السبت 22 يونيو، رجع السير إلى القصر وأرسل كتابا إلى الريسولي يعلمه بإحضاره له الأمان من قبل الجلالة السلطانية وعين له موعدا للملتقى، وذلك يوم الأربعاء 26 يونيو في دشار رحونه مكان الالتقاء الأول.
وفي ذلك اليوم المعين حضر القائد إلى المحل المذكور مع خفر قليل وجرت المقابلة بينهما على غاية ما يرام وأكد له الريسولي أنه على استعداد للذهاب إلى فاس حسب الأمر السلطاني، وكان مع القائد مكلين حفيد الريسولي الذي كان رافقه إلى فاس ورجع بمعيته، وبعد تلك المقابلة عاد القائد إلى القصر وبقي ذلك الحفيد مع خاله. ولربما أوقع بعض الريب والشك في قلبه وجعله يوجس من المخزن الشريف.
ويوم السبت 29 منه جاء القائد مكلين إلى دشار رحونه، وكان معه عشرة من الخيالة، فألفى الريسولي على ما كان عليه من الصداقة والتودد حتى أنه دعاه أن يرافقه إلى حرم سيدي يوسف تلده على مسافة خمس ساعات ليتهيأ للسفر إلى فاس. فقبل القائد دعوة الضيافة وذهب معه، فلما وصلوا إلى مضيق هناك طلت عليهم بعض الخيالة من مكامنهم وأحاطوا بهم، فالتفت الريسولي عندئذ وقال للسير “إنك أسيري”.
وكان السير قبل مرافقة الريسولي قد كتب إلى قائد محلة القصر مولاي مصطفى ينبئه باتفاقه مع الشريف الذي هو مستعد أن يصاحبه إلى فاس.
وإذا لم يأخذ في الغد قائد القصر خبرا عن السير مكلين بعث برجال يستطلعون أمره، فرجعوا عشية ذلك النهار وأخبروا عن وقوع القائد أسيرا.
وعندما علم حاكم تطاون بأمر أرسل يخبر سيادة وزير الحرب في طنجة، ومن هنا وجّه حضرة الوزير في الحال فارسين إلى القصر ليتحققا الخبر حتى إذا كان صحيحا يداوما سيرهما إلى فاس.
وهكذا مولاي مصطفى بث بكتابين أحدهما إلى الوزارة الحربية في طنجة، والآخر إلى فاس يخبر فيها بأسر القائد مكلين، ولكنه يؤكد أنه لم ينله أدنى أذى، وإنه يعامل هناك بكل إكرام وكل احترام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *