استوص بأولادي خيراً
حضر أعرابي عند الحجاج وقدم الطعام فأكل الناس، ثم قدمت الحلواء، فترك الحجاج الأعرابي حتى أكل منه لقمةً، ثم قال: من أكل من هذا ضربت عنقه؛ فامتنع الناس كلهم وبقي الأعرابي ينظر إلى الحجاج مرةً وإلى الفالوذج أخرى، ثم قال: أيها الأمير، استوص بأولادي خيراً، ثم اندفع يأكل، فضحك الحجاج حتى استلقى وأمر له بصلة.
عطس عطسة سقط ضرسه
عطس سعيد الدارمي عند عبد الصمد بن علي عطسة هائلة ففزع عبد الصمد فزعاً شديداً وغضب وقال: أتفزعني؟ قال: لا والله ولكن هذا عطاسي. قال: لا والله لأنقعنك في دمك أو لتأتيني ببينة على ذلك. قال: فخرج ومعه حرسي لا يدري أين يذهب به. فلقيه ابن الريان المكي فسأله فقال: أنا أشهد لك. فمضى حتى دخل على عبد الصمد فقال: ما تشهد لهذا؟ قال: إني رأيته مرة عطس عطسة سقط ضرسه. فضحك عبد الصمد وخلى سبيله.
نُجـهِّزُ بناتـك
كان محمد بن سحنون، وهو من أكابر علماء أفريقية وفضلائهم، جالساً ذات يوم للتدريس في المسجد، إذ أتاه إنسان يتخطّى رقاب الناس حتى وصل إليه فجلس، وظل يعارض كلام ابن سحنون ويسخر منه ويحاول تفنيد حججه، وابن سحنون صابر يتأدّب في جوابه ومحاورته. فبقي على ذلك أياماً كثيرة، وكان إذا رآه ابن سحنون مقبلاً، قال لجماعته: أفسحوا له! فيأتي الرجل ويجلس ويشرع في تسفيه أقوال ابن سحنون.
ثم انقطع بعد ذلك مدة، فسأل ابن سحنون عنه من حضره فقالوا: لا نعرف خبره. فقال: اطلبوه! فإذا وجدتموه فآتوني به. فوجدوه فآتوا به إليه. فأخذه وخلا به، وقال له: ما منعك من الحضور إلى مجلسنا؟ فقال له: يا سيدي، لي بنات قد كبرن، واحتجن إلى التزويج، وأنا فقير، فقال لي بعض العلماء من أعدائك الحاسدين لك: إذا استطعت أن تُشَوِّش على ابن سحنون مجالسه وتُنغِّصَ عليه فيها حتى يدع التدريس في المسجد، فنحن نُزيل فقرك ونُجهّز بناتك. فبقيت تلك المدة أجيء إليك فأقذفك وأشتمك وأفعل ما قد رأيت لعلك تغضب فتترك التدريس ويحصل لي ما اتفقوا عليه، فلما أيست من غضبك تركتُ ذلك إذ لا فائدة فيه. فقال ابن سحنون: لو كنت أخبرتني بحاجتك في أول يوم لقضيتُها لك. وجهّز ابن سحنون بناته.
من كتاب “بدائع السِّلْك في طبائع المُلْك” لابن الأزرق.
حكم ومواعظ
الصدق والكذب
قال رجل لعبد الملك بن مروان: إني أريد أن أسر إليك شيئاً، فقال له عبد الملك: قف، لا تمدحني فإني أعلم بنفسي، ولا تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب، ولا تغتب عندي أحداً. فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن في الانصراف؟ قال: إذا شئت.
وقال يحيى بن خالد: رأيت شارب خمر نزع، ولصاً أقلع، وصاحب فواحش راجع، ولم نر كذاباً قد صار صادقاً.
قيل لكذاب بما تغلب الناس؟ قال: أبهت بالكذب وأستشهد بالموتى.
من كلام سهل بن هارون: إن زخرف الكلام لا يثبت زلل الأقدام، وللصدق آثار في القلوب لا تعفيها عواصف رياح الكذوب.
ويقال: الصدق أفضل من الكذب إلا في السعاية، والعزة أفضل من الذل إلا في الاعتداء، والأناة أنجح من العجلة إلا في التقوى، والشجاعة أفضل من الجبن إلا في أمر الله عز وجل، والأمن أفضل من الخوف إلا من مكر الله عز وجل، والراحة أفضل من التعب إلا في طاعة الله عز وجل، والحلم أفضل من الجهل إلا عن من يعصي الله عز وجل، والجود أفضل من البخل إلا في بذل الدين والعرض.
ويقال: الكذب مفتاح كل كبيرة، والخمر جماع كل شر.
وقيل: لا تأمن من يكذب لك أن يكذب عليك.
ويقال: الكذاب محل كل تهمة.
وقيل: الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمديون والفقير.
وقال بعض العلماء: الأناة قبل الرأي، والصدق توفيق المنطق.
وقال حكيم: الصدق أزين حلية، والمعروف أربح تجارة، والشكر أدوم نعمة.
وقال الأحنف لابنه: يا بني يكفيك من شرف الصدق أن الصدوق يقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب أن الكذاب لا يقبل قوله في صديقه ولا عدوه.
لكل شيء حلية، وحلية المنطق الصدق.
الصدق يدل على اعتدال وزن العقل.
وقيل: ما السيف الصارم في كف الشجاع بأعز له من الصدق.
استشهد ابن الفرات في أيام وزارته علي بن عيسى فلم يشهد له وكتب إليه لما عاد إلى بيته: لا تلمني على نكوصي عن نصرتك بشهادة زور، فإنه لا اتفاق على نفاق، ولا وفاء لذي مين (أي: كذب) واختلاق، وأحرى بمن تعدى الحق في مسرتك إذا رضي، أن يتعدى إلى الباطل في مساءتك إذا غضب.