المنهج الدراسي – في أي بلد – يقوم على أسس ومنطلقات عقدية وفكرية واجتماعية يؤمن بها ذلك البلد، وتلك الأسس والمنطلقات هي ما يؤمن به المجتمع ويعتقده، لذا فلا بد أن يكون المنهج صادقاً في تمثلها وتحقيقها، لأنه من أهم الوسائل في تحديد شخصية المجتمع وكل فرد ينتمي إليه.
وتخطيط المنهج التعليمي يُعنى بتحقيق الأهداف التربوية التي تنطلق من عقيدة الأمة، ويتطلع المجتمع إلى تحقيقها، وهذا يعني تحديد نوعية التربية التي يريدها.
وفي فترة سابقة قال الرئيس “رونالد ريجان” عندما صدر التقرير الأمريكي المشهور “أمة في خطر” Nation at Risk: “لو أن هذه المناهج التي بين أيدينا فرضتها علينا أمة من الأمم لاعتبرنا ذلك اعتداءً سافراً علينا”، وهي الآن منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 م، وبعد احتلال العراق وأفغانستان، ترسم استراتيجية لتغيير واقع المجتمعات الإسلامية، أحد ركائزها تغيير المناهج وفق الرؤية الأمريكية، ويتبعها في ذلك العلمانيون المستغربون الذين هاجموا المناهج بصورة عامة، ومناهج العلوم الشرعية بصورة خاصة.
إن مفهوم المناهج لدى المتخصصين مفهوم شامل في علم المناهج، يشمل (الأهداف، والمحتوى العلمي، والكتاب، والمعلم، والطالب، والمدرسة، والأنشطة الصفية وغير الصفية..)، فتغيير أحدها يعتبر تغييرا في المنهج.
أولاً : الهجمة الأمريكية
تعددت أساليب الهجمة الأمريكية على مناهجنا ما بين طرح مشاريع، وانتقادات لمحتواها من خلال المقالات في كبرى الصحف، ودراسات متخصصة أعدت لتحليلها، ويمكن عرض نماذج منها على النحو التالي:
أ- الهجمة الموجهة لمناهج الدول العربية بصورة عامة.
مشروع مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط.. بناء الأمل للسنين القادمة، وهو الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي السابق “كولن باول” في مؤسسة التراث بواشنطن الخميس: 12/12/2002م :
أعلن الوزير الأمريكي أن الحكومة ستخصص لها 29 مليون دولار، لكي تنطلق المبادرة بقوة، وأنها ستعمل مع “الكونجرس” للحصول على دعم إضافي للعام القادم، وهذه الأموال ستكون زيادة على الأكثر من مبلغ (الألف مليون دولار) كمساعدة اقتصادية للعالم العربي كل عام.
وتم الإعلان عن تعيين نائب وزير الخارجية الأمريكي “ريتشارد أرميتاج” كمنسق لكل البرامج المنبثقة عن المبادرة الجديدة، ويعمل على متابعتها أيضاً مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى “وليام بيرنز” ونائبته “إليزبيث تشيني” ابنة نائب الرئيس “ديك تشيني”.
وتركز المبادرة على حرب الإرهاب في الشرق الأوسط، والاهتمام بالإصلاح التعليمي حسب الرؤية الأمريكية، ويتبع ذلك تحديث التعليم، وتغيير المناهج، وتغيير نمط المدارس، والتركيز على تعليم الفتيات، وتوفير منح دراسية لإبقاء الفتيات في المدارس وتوسيع التعليم لهن، وتدريب المعلمين، وتعليم اللغة الإنجليزية.
ب- أهداف الخطة التعليمية:
إن أهداف مشروع الخطة التعليمية – كما حددتها المذكرة – هي:
1 – إن الفائدة الأساسية لهذه المؤسسات أنها ستضمن إيجاد فرص عمل لخريجي هذه المدارس والجامعات الأمريكية برواتب مغرية، مما يؤدي إلى زيادة الإقبال عليها، وبذلك يتحقق غرض ثقافي مهم، وهو ربط أبناء الدول العربية بأنماط الثقافات الأمريكية.
2 – إن هؤلاء الذين سيتلقون تعليماً عالياً متميزاً لا بد أن يدخلوا في دائرة الضوء والمناصب السياسية في بلادهم، وبذلك سنضمن ارتباطهم العاطفي، وترتيب أفكارهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسيمثل هؤلاء في المستقبل دعامات أساسية لتأييد السياسات الأمريكية، وتلافي خطر الإرهاب ونتائجه.
3 – إن هذا المشروع يحتاج إلى قدر كبير من الموازنات المالية المستقلة والقادرة على تطوير هذه المدارس في المستقبل، لذا فإنه من المهم أن تدعم إقامتها سلسلة من المصالح والمشروعات والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية التي ينبغي إنشاؤها في داخل هذه الدول، وهذا سيحقق فائدة كبرى لتوسع الاقتصاد الأمريكي.
ج – المراحل الزمنية لتنفيذ المشروع:
تحدد المذكرة التنفيذية مراحل تنفيذ المشروع على الوجه الآتي :
1 – البدء في طرح المشروع أول عام 2003م.
2 – تستمر خطوات التنفيذ والإعداد والإنشاء حتى عام 2005م، ويتضمن ذلك أيضاً البدء في الإعداد للدراسات التدريبية، والبرامج المشتركة، والتأهيل مع حكومات دول المنطقة.
3 – الدراسات الفعلية تبدأ من عام 2005م.
د – التدريب:
تدعو المذكرة إلى عقد دورات تدريبية مشتركة سواءً تمت في البلاد العربية أو في أمريكا.
وتدعو أيضاً إلى “اعتماد برنامج منفصل لترجمة مئات الكتب الأمريكية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية إلى اللغة العربية، وتوزيع هذه الترجمات على المؤسسات الدستورية في البلدان العربية، وخاصة البرلمانات، وما يتعلق بالحكم المحلي والجامعات والوزارات والهيئات الاقتصادية الكبرى، والعديد من المؤسسات الاقتصادية الخاصة، إضافة إلى برنامج خاص بالترجمة يهدف إلى ترجمة كتب أمريكية ميسرة حول الأنماط المثلى للحياة الأمريكية في جوانبها المختلفة، وقصص رمزية توجه النظر إلى أغراض وأهداف معينة، سيتم توزيعها على طلبة المدارس التعليمية، وإدخالها في صلب المناهج التعليمية للمدارس الحكومية في هذه البلدان، ويجب أن تتم الترجمات تحت إشراف وزارة الخارجية الأمريكية، والتي ستقوم بتعيين عدد من الخبراء والمختصين على صلة مباشرة بكبار المسئولين المعنيين بتنفيذ البرنامج”