حكم ومواعظ

قال مكحول: أرق الناس قلوبا أقلهم ذنوبا.
قال إسماعيل بن عياش: البكاء من سبع: البكاء من خشية الله: القطرة منه تكف من النار أمثال البحور، ورجل فاضت عيناه (سال دمعها) من خشية الله، والبكاء من السرور، والبكاء من الكرب، والبكاء من السكر، والبكاء من الخوف، والبكاء من الألم.
العبء
إذا العِبْءُ الثقيلُ توزَّعَتْهُ رقابُ القومِ خفَّ على الرِّقابِ
السلامة والصيت الحسن
إذا أردت السلامة والصيت الحسن فعليك بأربعة أشياء: احفظ لسانك، وصن عينك عن تتبع غيرك، وعاشر بما يحمد، ودافع بالتي أحسن يكن لك الفوز؛ فقد قيل:
إِذا رُمــتَ أَن تَحيا سَلـــيماً مِنَ الرَدى *** وَدينُكَ مَوفورٌ وَعِرضُكَ صَيِّنُ
فَلا يَنــــطِقَن مِـنـكَ اللِـــسانُ بِسَـــوأَةٍ *** فَكُلُّكَ سَـــوءاتٌ وَلِلنــاسِ أَلسُنُ
وَعَينـــــاكَ إِن أَبــدَت إِلَيـــكَ مَــعائِباً *** فَدَعها وَقُل يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ
وَعاشِر بِمَعروفٍ وَسامِح مَنِ اِعتَدى *** وَدافِع وَلَكِـــن بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ
سوء الظن
إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ *** وَصـَدَّقَ ما يَعــتادُهُ مِن تَـــوَهُّمِ
وَعــــادى مُحِـــبّيهِ بِقَولِ عُــداتِهِ *** وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ
مقال الخط
قال يحيى بن خالد البرمكي: الخط صورة روحها البيان، ويدها السرعة، وقدمها التسوية، وجوارحها معرفة الفصول.
وقال أبو دلف: القلم صائغ الكلام، مفرغ ما يجمعه العلم.
الخط
سئِل بعضُ الكتاب عن الخط: متى يستحق أن يوصفَ بالجودة؟ فقال: إذا اعتدلَت أقسامُه، وطالت ألِفُه ولاَمُه، واستقامت سطورُه، وضَاهَى صعودَه حُدُورُه، وتفتَّحَتْ عيونُه، ولم تشتبه رَاؤه ونونُه، وأشْرَقَ قِرْطاسه، وأظلمت أنْفاسه، ولم تختلف أجْناسه، وأسرع إلى العيون تصوُرُه، وإلى العقول تَثَمُرُه، وقُدِّرت فصوله، وانْدَمَجَتْ وُصُوله، وتناسب دقيقُه وجَلِيله، وخرج من نَمَطِ الورّاقين ، وبَعُدَ عن تصنعِ المحررين، وقام لصاحبه مقام النسبة والحليَة، كان حينئذ كما قال صاحب هذا الوصف في صفة خط:
إذا مــا تجــلّل قِرْطَــاسه *** وســـاوَرَه الـقلمُ الأرْقَشُ1
تَضــمَّنَ مـــنْ خَطِّهِ حُلّةً *** كنَقْشِ الدنانير، بَلْ أنْقَشُ
حروف تُعِيدُ لعين الكَليل *** نشاطاً ويقرؤها الأخْفَش
———————–
1- الأَرْقَشُ: لون فيه كدرة وسواد ونحوُهما كلون الأَفعى الرَّقشاء.
تسلية وترويح
من مستجاد ما قيل في البخل
قول أبي نواس في إسماعيل بن نيبخت:
على خبز إسمــاعيل واقـية الـبخل *** فقد حـلّ في دار الأمــان مــن الأكل
وما خبزه إلا كـآوى يــرى ابنـــها *** ولسنا نراها في الحزون ولا السّهل
وما خــبزه إلاّ كالعنـــقاء معــرب *** تصوّر في بسط المــلوك وفي المثل
يحدّث عنها الناس من غير رؤيةٍ *** سـوى صـورة مـا إن تمر ولا تجلي
ومــا خبـــزه إلا كلـيب بـن وائـل *** لبــالي يحــمي عــزّه مــنـبــت البقل
وإذ هـو لا يستبّ خصـمان عنده *** ولا الصوت مرفوع بجـدٍّ ولا هزل
فإن خبز إسـماعيل حـلّ به الذي *** أصـاب كلـيباً لم يكــن ذاك عـن ذلّ
ولـكن قضـاءٌ ليس يسـطاع ردّه *** بحيـــلة ذي دهي ولا مكر ذي عقل
قال الجاحظ: سألت وراقاً عن حاله؟ فقال: عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدق من مسطرة، وجاهي أرق من الزجاج، ووجهي عند الناس أشد سواداً من الحبر بالزاج، وحظي أخفى من شق القلم، وجسمي أضعف من قصبة، وطعامي أمض من الحبر، وشرابي أمر من العفص؛ وسوء الحال ألزم بي من الصمغ. فقلت: لقد عبرت ببلاء عن بلاء.
مدح القمر
يحكى أن صاحب سلاح ملك، وصائغا، وصاحب بقر، ومعلم صبية، سافروا ذات يوم ووصلوا سير النهار بسير الليل، فبينما هم في وحشة الظلام ومقاساة خوف التخبط والضلال طلع عليهم البدر بنوره فأفاض كل منهم في الثناء عليه وشبهه بأفضل ما في خزانة صوره، فشبهه السلاحي بالترس المذهب يرفع عند الملك، والصائغ بالسبيكة من الإبريز تفتر عن وجهها البوتقة، والبقار بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريا، والمعلم برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذوي مروءة.
الأعرابي والمأمون
خرج المأمون منفرداً فإذا بأعرابي فسلم عليه. فقال: ما أقدمك يا أعرابي؟ قال: الرجاء لهذا الخليفة، وقد قلت أبياتاً أستمطر بها فضله، قال: أنشدنيها، قال: يا ركيك، أويحسن أن أنشدك ما أنشد الملوك؟ فقال: يا أعرابي، إنك لن تصل إليه ولن تقدر مع امتناع أبوابه وشدة حجابه، ولكن هل لك أن تنحلنيها، وهذه ألف دينار فخذها وانصرف ودعني أتوسل، لعلي أتوصل؟ قال: لقد رضيت، فبينما هما في المراجعة إذ أحدقت الخيل به وسلم عليه بالخلافة، فعلم الأعرابي أنه قد وقع، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين؛ أتحفظ من لغات اليمن شيئاً؟ قال: نعم! قال: فمن يبدل القاف كافاً ؟ قال: بنو الحارث بن كعب، قال: لعنها الله من لغة لا أعود إليها بعد اليوم. فضحك المأمون وأمر له بألف دينار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *