الدعاء لولاة الأمر بالصلاح(*) نور الدين درواش

صلاح ولاة الأمر مطلب لكل مسلم غيور على دينه؛ إذ صلاحهم صلاح للعباد والبلاد، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موته:

(اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم).
وأخرجه البيهقي في السنن كتاب قتال أهل البغي، باب فضل الإمام العادل 8/162 بإسناد صحيح.
وفيها أيضا عن القاسم بن مخيمرة قال:
(إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم، صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم، فسد زمانكم).
وصلاح الولاة إلى الله تعالى وحده يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم، فكان حقا على كل مؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، أن يدعوا لهم بالهداية والتوفيق إلي طاعة الله تعالى، والسير في مرضاته، لأن نفعَ ذلك يعود على كل مؤمن بالخير في الدين والدنيا .
ذكر ابن المنير المالكي رحمه الله في الانتصاف( )، أنه نقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم فقيل له: أتدعوا له وهو ظالم؟
فقال: إي والله، أدعو له إن ما يدفع الله ببقائه أعظم مما يدفع بزواله. اهـ
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان 13/99 عن أبي عثمان سعيد ابن إسماعيل الواعظ الزاهد أنه قال بعد روايته لحديث تميم الداري مرفوعاً: (الدين النصيحة)، قال:
(فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا، صلح العباد بصلاحهم. وإياك أن تدعوا عليهم باللعنة، فيزدادوا شراً ويزداد البلاء علي المسلمين، ولكن أدعو لهم بالتوبة، فيتركوا الشر، فيرتفع البلاء عن المؤمنين..) اهـ.
ولقد اعتنى علماء المسلمين بهذه القضية -الدعاء لولاة الأمر- عناية واضحة وتجلت في صور ناصعة رائعة منها:
أولاً: إيداع الأمر بالدعاء لولاة الأمر في مختصرات العقائد السنية التي يطالب المسلم باعتقاد ما فيها لكونه مبنياً على الحجج الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، وسيأتي نماذج من ذلك إن شاء الله.
ثانياً: تخصيص بعض علماء الإسلام مؤلفاً في ذلك.
فقد ألف (الإمام العلامة المفتي المحدث الرحال، بقية السلف، سيد المعمرين الأخيار علم السنة)( ) يحيى بن منصور الحراني الحنبلي -المعروف بابن الحبشي- كتاباً سماه: (دعائم الإسلام في وجوب الدعاء للإمام).
ثالثاً: جعل بعض العلماء المحققين علامة من كان سنياً سلفياً: الدعاء لولاة الأمر، وعكسه من كان مبتدعاً ضالاً، دعا على ولاة الأمر.
قال العلامة البر بهاري رحمه الله تعالى في شرح السنة ص:113-114:
(وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله-).
فأنت ترى هذا الاهتمام القوي من السلف بالدعاء لولاة الأمر واضحاً جلياً وهم في ذلك متبعون، سالمون من الهوى، مقدمون لنصوص الشريعة على حظوظ النفس وما تهوى.
وفيما جملة مما جاء عن علماء أهل السنة المرضيين في ذلك.
– أخرج الخلال في السنة (1/86) عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله أنه قال عن الأمير:
(إنه مؤمر عليك مثلك، فإن أهتدي فاحمد الله، وإن عمل بغير ذلك فادع له بالهدى، ولا تخالفه فتضل).
– أخرج أبو نعيم في اللحية( ) حدثنا محمد بن إبراهيم: ثنا أبو يعلى الموصلي: ثنا عبد الصمد بن يزيد البغدادي -ولقبه مردويه- قال: سمعت الفضل بن عياض يقول: (لو أن لي دعوة مستجابة، ما صيرتها إلا في إمام).
قيل: وكيف ذلك يا أبا علي؟
قال: متي صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتي صيرتها في الإمام – يعني: عمت-، فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد.. فقبَّل ابن المبارك جبهته وقال:
يا معلم الخير ‍ من يحسن هذا غيرك؟
– أخرج الخلال في السنة (1/83) عن حنبل، أن الإمام أحمد قال عن الإمام: (وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد، وأرى ذالك واجباً علي)( ).
وأخرج أيضاً عن أبي بكر المروذي، قال: (سمعت أبا عبد الله، وذكر الخليفة المتوكل -رحمه الله تعالى- فقال: إني لأدعو له بالصلاح والعافية.
وقال: لئن حدث به حدث، لتنظرن ما يحل بالإسلام).
– وقال البر بهاري -أبو محمد الحسن بن على- المتوفى سنة (329 هـ) في شرح السنة ص:114: (فأمرهم أن ندعوا لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين).
– وقال أبو بكر الإسماعيلي، المتوفى في سنة (371 هـ) في اعتقاد أهل السنة ص:50: (ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلى العدل) ا هـ.
– وقال الأجري المتوفى سنة (360 هـ) في كتاب الشريعة 1/371: (وقد ذكرت من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذاهب الخوارج ولم ير رأيهم فصبر على جور الأئمة.. ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين فصلى خلفهم الجمعة والعيدين.
فمن كان هذا وصفه، كان على الصراط المستقيم -إن شاء الله-).
فهذه جملة مختارة من نصوص السلف تكفي وتغني لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *