“الموقف الفرنسي غير الواضح من إغلاق السفارة في أنقرة والقنصلية في إستنبول، ومنع بعض الطلبة من التوجه لتركيا قبل 48 ساعة من الانقلاب، يوحي بأن فرنسا كانت على علم بالانقلاب إن لم تكن ضالعة به فعلا”.
قبل ساعات انتقلت تركيا من القضاء على انقلاب فاشل إلى مواجهة مفتوحه مع أمريكا والغرب الذي يصعد تدريجيا من لهجته وتهديداته لتركيا من أجل وقف الحملة الحكومية التركية على الانقلابين القتلة.
في مجمل المواقف الغربية لم يكن ثمة موقف أخلاقي واحد يعزي الشعب التركي بضحاياه الذين وصل عددهم إلى ثلاثمئة ضحيه، أو إدانة غربيه لقصف الانقلابيين لمبنى البرلمان أو محاولة اغتيال الرئيس المنتخب.
موقف الغرب عموماً وأمريكا بات واضحاً أن الدول الغربية انقسمت بين ضالعةٍ بالانقلاب، وبين من هي على علم مسبق به، لدرجة أن بعض طائرات التزويد بالوقود انطلقت من قاعدة إنجرليك الأمريكية لتزويد طائرات الانقلابيين بالوقود في سماء أنقره.
والموقف الفرنسي غير الواضح من إغلاق السفارة في أنقرة والقنصلية في إستنبول، ومنع بعض الطلبة من التوجه لتركيا قبل ثمان وأربعين ساعة من الانقلاب، يوحي بأن فرنسا كانت على علم بالانقلاب إن لم تكن ضالعة به فعلا.
المواقف الغربية المتواترة لم تكن مفاجئة لمواقف الدول الغربية من تركيا والمنطقة عموماً إلا أنها كانت صادمة في وقاحتها وغطرستها.
الغرب امتلك الكثير من الوقاحة كي يضغط على الحكومة الشرعية في تركيا من أجل وقف ملاحقة الإرهابيين الانقلابيين القتلة الذين قاموا بجريمة إرهاب دولة وسفكوا الدماء وكادوا أن يُدخلوا البلاد في أزمة دستورية واقتصادية ودموية لسنوات طويله قادمه، وهذا بالضبط ما كانت تسعى إليه الدول الغربية بعد أن فرغ صبرهم من سياسات حكومة العدالة والتنمية التي باتت تعامل الغرب كدولة ندٍ لهم، بل وتفوقت على الكثير من دول أوروبا في شتى المجالات وخاصةً الاقتصادية، بسبب موقعها الجغرافي وتنوع اقتصادها، وبسبب مواقف تركيا المتشددة وغير المتجاوبة مع الغرب فيما يخص أزمات المنطقة الملتهبة.
الغرب كل الغرب، بما في ذلك أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، لم يوجه انتقادات وإنذارات وتهديدات لبشار الأسد خلال ست سنوات من ممارسة إرهاب الدولة المنظم على شعب كامل بقوة التهديدات التي وجهتها للحكومة التركية خلال يومين، كما أن كل الحكومات الغربية لم توجه إنذاراً أو حتى عتباً لحكومة العبادي وميلشياته الطائفية التي تمارس أبشع عمليات التطهير العرقي بحق أهل العراق بحجة مكافحة الإرهاب التي باتت ستاراً قذراً تختبئ خلفه كل أجهزة الاستخبارات في العالم وتخبئ خلفها كل عمليتها القذرة.
الدول الغربية كلها بلعت ألسنتها أمام التغول الروسي الإيراني في سوريا والعراق طمعاً بغاز روسي بأسعار مخفضة أو صفقة تجاريه مع إيران بعد رفع العقوبات عنها.
ولم نسمع صوتاً للغرب حين عدل بوتين دستور بلاده ليكرس نفسه قيصراً على روسيا، وفي الوقت الذي تمارس فيه إيران كل أشكال الانتهاكات بحق الإثنيات غير الفارسية واتباع سياسة تكميم الأفواه وتقييد الحريات يتزاحم ذلك الغرب المنافق على أبواب طهران، ولعابه يسيل طمعاً بعقدٍ تجاري هنا أو صفقة رابحة هناك.
اليوم تركيا ليست هي تركيا الأمس والمواجهة إن أراد الغرب المضي فيها لن تكون مواجهة غربية تركيه على الإطلاق، بل ستكون مواجهة الغرب مع كل عشاق الحرية في المنطقة، والتصعيد الغربي لن يكون في صالح الغرب بشكل أكيد فالشعوب الغربية لن تقدر على مواجهة مفتوحه ولن تقبل بدفع ثمن مواجهة لا ناقة لها فيها ولا جمل.
أما شعوب المنطقة المتعطشة للحرية والانعتاق من سيطرة الغرب على الحكومات المحلية فهو متعايش مع المواجهة منذ عشرات السنين، فلا تأمين صحي يخشى أن يفقده، ولا راتب تقاعدي يخشى أن يخسره، ولا بنية تحتيه حقيقيه ليخسرها، فسوريا والعراق ولبنان أصبحت أنقاض دول إلى حد كبير.
سعد ربيع