المضافات الغذائية وأضرارها بقلم الدكتور أبو شهدة محمد شاكير

أعزائي القراء، سنتكلم إن شاء الله في هذا المقال عن أضرار المواد الحافظة الغذائية وكذا المضافات الغذائية، التي بات استعمالها اليوم من الأمور الشائعة في مجال التصنيع الغذائي، خصوصا في هذا العصر الذي أصبح هناك تعاطي كبير للمواد الغذائية الجاهزة والمعلبة في المحلات التجارية والأسواق التجارية الكبرى، وأصبحت العادات الغذائية القديمة والتقليدية التي تعتمد على تجهيز كل شيء بشكل طبيعي في البيت في تراجع مستمر، نظرا لما في ذلك من العناء والمشقة، وما يحتاجه من الوقت والصبر، وللأسف هذه المظاهر من سلبيات عصرنا الذي يُلقّبُ بعصر السرعة، والذي أصبح الإنسان فيه يتخلى عن عادات صحية كثيرة من أجل ربح الوقت ورفع التكليف والمشقة، ومقابل ذلك نعاني من انتشار عدد كبير من الأمراض التي لم يكن السابقون يعرفونها أو يعانون منها.
وتدخل المواد الحافظة ضمن الوسائل الحديثة التي ساعدت في التطور الاقتصادي، وسهّلت التصنيع والتسويق الغذائي، للرفع من كمية الإنتاج، والمحافظة على الأغذية والمشروبات أكبر وقت ممكن على حالها الأصلي دون أن تتعرض للتلف أو الفساد.

المضافات الغذائية ودورها:
أشير هنا إلى أن المواد الحافظة (conservateurs) هي نوع من المضافات الغذائية (Additifs alimentaires) التي تشمل أيضا:

  • الملونات الغذائية (colorants alimentaires).
  • مضادات الأكسدة (anti-oxydants).
  • المبيضات المساعدة على النضج.
  • عوامل الاستحلاب والرغوة والمواد المثبتة والمغلطة للقوام (Emulsifiants, épaississants stabilisants, gélifiants).
  • الحمضيات والقلويات والعوامل المنظمة ( acidifiants et alcalinisants alimentaires).
  • المحليات والمنكهات (Edulcorants et exhausteurs de goût).

وغير ذلك من الوسائل الكيماوية الغير الطبيعية، أو الطبيعية المستخلصة من النباتات والحيوانات، والتي تضاف إلى الأغذية في إحدى المراحل التي تمر بها منذ إنتاجها إلى استهلاكها، ونلخص دورها فيما يلي:

  • تحسين الحفظ أثناء النقل والتخزين إلى حين وصول المنتوج إلى المستهلك.
  • الحد من تعريض المستهلك للتسمم نتيجة الحفظ الغير جيد.
  • المحافظة على نكهة المنتوجات.
  • تحسين مذاقها ومظهرها.
  • تحسين النوعية وزيادة إقبال المستهلك عليها.
  • خفض سعر الأطعمة.
  • تنوع الأطعمة.
    وغير ذلك من الأمور التي تلعب دورا كبيرا في الجانب الصحي والتسويقي الاقتصادي والتجاري.
    وسنتكلم في هذا المقال عن المضافات الغذائية بصفة عامة، بما فيها المواد المحافظة، لبيان أصلها ومعرفة خطرها على صحة الإنسان، وبالتالي اجتنابها أو على الأقل التقليل من استعمالها من طرف المستهلكين.

مصادر المضافات الغذائية:
تستخرج المضافات الغذائية من مصادر متعددة منها:

  • مصادر نباتية: كنبات الكركم (عشب بحري) والصمغ العربي، والخشب (السيليلوز) والصويا…
  • مصادر معدنية: كالفضة والذهب ومادة كلور الصوديوم وحمض كلور الماء وغاز الأرغون…
  • مصادر حيوانية: كالبيض والدهون الحيوانية، والبعض منها قد يكون مستخلصا من دهون الخنزير…
  • مصادر صناعية وكيماوية.

تصنيع المضافات الغذائية:
هناك عدد من الشروط الصحية العالمية لتصنيع المضافات الغذائية باختلاف أصنافها، ونذكر منها:

  • لابد من تحديد الغرض الذي تضاف بسببه، ولابد من التأكد من صلاحيتها لهذا الغرض.
  • يلزم المصنع ألا يضيف أي مادة بهدف خداع المستهلك، أو تغطية عيب في المنتج التجاري، كأن تضاف مادة نكهة لتخفي فساد المنتج.
  • يجب ألا تقلل من القيمة الغذائية للمادة الغذائية التي أضيفت إليها.
  • لابد أن يثبت أنها غير مضرة بالصحة، وأن تكون مصرحاً بها للاستخدام من المنظمات العالمية.
  • يجب أن تتوفر طرائق لتحليلها ومعرفة كميتها في الأغذية التي أضيفت لها.
    والعاملان الأساسيان اللذان يُركز عليهما لضمان سلامة هذه المنتجات التي تضاف إلى الأغذية في مجال التصنيع الغذائي هما:
    1 – مقدار تركيز المادة المضافة في الغذاء.
    2 – الحد الأقصى لتناول المادة المضافة.
    ونظرا لكون بعض المواد التي تضاف إلى المنتجات الغذائية قد تحمل أسماء علمية طويلة ومعقدة أو قد تختلف مسمياتها من بلد إلى آخر وبالتالي يصعب التعرف عليها، أصبح بالإمكان استخدام رموز معينة للدلالة على هذه المواد.
    وقد اتفق المختصون في دول الإتحاد الأوروبي على توحيد أسماء هذه المواد المسموح بإضافتها سواء كانت مواد طبيعية (من حيوان أو نبات) أو مواد صناعية، وذلك بوضع حرف (E) تتبعه أرقام معينة تدل على تلك المواد. أما المواد المُحلية والمُعطِّرة والمُحدِثة للرغوة فلا يزال الإتحاد الأوروبي لم يضع قوانين موحدة لتسميتها.

هل هذه المواد آمنة صحيا؟
قد يتساءل الكثيرون، مادامت كمية هذه المواد الإضافية قليلة في الأطعمة، ومطابقة للمعايير القانونية في التصنيع والقوانين التي تضمن السلامة الصحية للمستهلكين، فكيف يمكن أن تكون ضارة بهذا الشكل الذي شاع عنها في كل أقطار العالم؟
الجواب هو أنها فعلا مضرة رغم كل ذلك، والسبب هو تراكم كميات كبيرة منها في أجسامنا، نظرا للاستعمال اليومي المتكرر لأصناف كثيرة من الأغذية المعلبة المتنوعة، إضافة إلى غيرها من المواد الأخرى التي تحتوي على مواد محافظة، كمواد التجميل، والعطور ومزيلات الرائحة، والأدوية وغيرها، مما يجعل هذه المواد تتراكم في عضو معين، ومع مرور السنين، تظهر عواقبها الوخيمة على البدن، نسأل الله السلامة والعافية.
وقد أثبتت بعض الدراسات العلمية أن بعض المواد الحافظة تتفاعل مع المركبات الكيميائية الطبيعية التي يفرزها الجسم وتسبب حالات من السرطان أو أمراض واضطرابات أخرى.

أضرار المضافات الغذائية:
أثبتت دراسات كثيرة حديثة، أن الاستعمال الدائم والمتكرر لهذه المضافات الغذائية، يجعلها تشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان، خصوصا عند الأطفال، نظرا لكون الأنزيمات الكبدية المصفية عندهم ضعيفة، مما يجعلها تتراكم في الدم وتؤثر على بقية الأعضاء، وتُحدث أمراض عديدة، وهذا راجع لكون هذه المواد تحتاج إلى كفاءة عالية في وظائف الكبد، خصوصا حينما تتراكم منها كميات كبيرة نظرا لكون الأطفال يتعاطون كثيرا للحلويات و”البسكويت” والسكريات والمشروبات المعلبة.
وسنذكر بعضا من هذه الاختلالات والإصابات التي توصلت إليها الدراسات:

  • تأثيرها على المخ عند الأطفال، لأن الحواجز الواقية للجهاز العصبي عندهم ضعيفة، فتسبب أمراضا مثل:
  • حالات فرط النشاط السلوكي، مع تدني مستوى التركيز الذهني، ويسمى هذا المرض بـ”اضطراب تدني التركيز وفرط النشاط” (trouble du deficit de l’attention avec hyperactivité)، وهو نوع من الاضطرابات النفسية والاهتياجات السلوكية لدى الأطفال، أصبحنا نعاني منه بشكل كبير في العقود الأخيرة.
  • مرض الصداع النصفي المزمن، وقد توصلت الدراسات أن سببه الثاني هو مادة تسمى التاترازين (Tartrazine) التي يطلق عليها E102، ويفسر ذلك بكونها تسبب النقص الحاد في الفيتامين B6 المهمة لنمو ونشاط الأعصاب والدماغ.
  • ارتفاع نسبتها في الدم عند الأطفال، وذلك بسبب ضعف وظيفة التصفية للكليتين، مما يسبب تراكمها في مختلف أعضاء الجسم، وينتج عنه ظهور سرطانات مختلفة، وقد وقفت إحدى الدراسات الأمريكية على دور مادة “بنزين الصوديوم” (sodium benzoate) وهي من المواد المحافظة التي تستعمل بشكل كبير في مختلف أنواع المنتوجات الغذائية، ومنها مشروبات الكولا الغازية، باختلاف أسماء ماركاتها، وبعض أنواع العصير وغير ذلك.
    وأيضا مادة التارترازين (Tartrazine) ثبت أنها تحفز ظهور سرطان الغدة الدرقية، وللإشارة فهذه المادة توجد فيما يسمى بـ: “الكريم كراميل”.
  • قد تسبب حساسية في الجلد والربو، وهذا يرجع إلى تأثير الملونات الصناعية بالدرجة الأولى، حيث يوجد 114 لون صناعي يستخدم في التصنيع الغذائي، مقابل 50 لون طبيعي فقط، ونظرا لهذا؛ نشير على سبيل المثال إلى أن السلطات السعودية قد قامت بالسماح باستخدام 13 لون صناعي فقط، مقابل 20 لون طبيعي، إدراكا منها لخطورة هذه الملونات، وضررها على صحة المواطنين.
  • تسبب التهابات واضطرابات في الجهاز الهضمي، كالغثيان والقيء واضطرابات في الأمعاء، وذلك بتأثير مباشر على المعدة والأمعاء عند تناول هذه الأطعمة المعلبة، وهذا قد تنتج عنه مشاكل عويصة في النمو عند الأطفال، مع تعرضهم للأمراض التعفنية بسبب ضعف المناعة الذي يسببه سوء التغذية. كما تسبب تبطيء في حركة الأمعاء، مما يسبب الإمساك المزمن، وهذا تسببه المواد المحافظة والمستحلبات بالخصوص.
  • مرض ارتفاع نسبة الكوليسترول، وقد أثبت الدراسات أن بعض مضادات الأكسدة والمحليات هي التي تسببه.
    وغير ذلك من الأمراض والاضطرابات التي تسببها هذه المواد المصنعة في جسم الإنسان، وهناك جداول مفصلة حول أضرار كل نوع حسب الرموز، لا يكفي المقام لسردها.

إشكاليات تخص المسلمين:
هناك بعض المواد تطرح إشكالا بالنسبة للدول الإسلامية، وتتعلق بما يلي:

  • مادة الجيلاتين (Gélatine) E441: ويحصلون عليها من عظام الحيوانات المذبوحة وجلودها وسقطها وغالباً ما يصنع من جلد الخنزير وعظامه وعظام بقية الحيوانات، ويعتبر الجيلاتين منتج ثانوي لصناعة اللحم والجلود ويصنع منه سنوياً ربع مليون طن.
    ويستخدم الجيلاتين في صناعة كثير من الأطعمة الخفيفة المجهزة للأطفال، وفي صناعة المثلجات وغيرها كرافع قوام ومثبت، وكذا في الألبان والمربى وأنواع أخرى من الأطعمة والعصائر، وكذلك في صناعة الكبسولات الطبية ومواد التجميل والصناعة الورقية.
    وقد حاولت بعض الشركات إنتاج بدائل وهي عبارة عن سكريات معقدة، لتلبية رغبات النباتيين، والدول الإسلامية التي لا تستعمل “الجيلاتين الحيوانية”، وقد أطلقوا عليها مجازا اسم “الجيلاتين النباتية” وإن لم تكن بروتينات أصلا.
  • إشكالية الذبح في الدول الغربية، حيث أن الكثير من المنتجات الحيوانية التي تُنتج في الدول الغربية، وتأتينا مستوردة ومعلبة، تُطرح فيها هذه الإشكالية، لأنهم في الغالب لا يقومون بذبح الحيوانات، وإنما يقومون بقتلها بطرق خاصة، مما يجعل هذه المنتجات الحيوانية فيها نظر بالنسبة للمسلمين والكتابيين.

نصائح وحلول بديلة:

  • اجتناب المواد الغذائية المصنعة بصفة عامة، إلا للضرورة، ومنع الأطفال من الإكثار من تناول الحلويات والبسكويت والشوكلاتة وغيرها.
  • تستطيع الأم عمل أصناف من الحلويات في البيت، كالمربى والكيك، وذلك باستخدام مواد طبيعية كالعسل وقصب السكر، ويمكن تعويد الأطفال على مواد طبيعية كالفواكه الجافة والتمر والفواكه الطازجة، كبديل عما تعودوا عليه من المعلبات المخصصة للأطفال.
  • استبدال جميع المواد المعلبة بمثيلاتها الطبيعية، سواء بتحضيرها في البيت، أو أخذها من الأسواق طازجة وطبيعية، ويمكن المحافظة عليها لمدة وجيزة في الثلاجات والمبردات.
    أرجو أن أكون قد بيّنتُ خطورة هذه المضافات الغذائية من مواد حافظة وملونات غذائية وغيرها، حتى يكون الناس على بيّنة من أضرارها وعواقبها الصحية.
    أكتفي بهذا القدر، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *