من القواعد المقررة عند أهل السنة أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الإلهية والعبادة, فهو منه كالمقدمة من النتيجة، فإنه إذا علم أنه سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته، كانت العبادة حقه الذي لا ينبغي إلا له وحده فإنه لا يصح أن يعبد إلا من كان ربا خالقا مدبرا وما دام ذلك له وحده وجب أن يكون هو المعبود وحده الذي لا يجوز أن يكون لأحد معه شركة في شيء من صور العبادة كلها، ولهذا جرت سنة القرآن على سوق آياته الدالة على ربوبيته ثم الخلوص منها إلى الدعوة إلى توحيد الألوهية والعبادة، فيجعل الأولى برهانا على الثانية, كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/54) عند هذه الآية: “ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره”.
قال الناظم:
وربك المعبود فلتوقره *** دليله من آية في البقره
وابن كثير أكد المقالا *** بذكر حق ربنا تعالـى
وقال تعالى: “أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ”
قال السعدي رحمه الله: “أي: أمن خلق السماوات وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والملائكة والأرض وما فيها من جبال وبحار وأنهار وأشجار وغير ذلك”.
“وَأَنزلَ لَكُمْ” أي: لأجلكم “مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ” أي: بساتين “ذَاتَ بَهْجَةٍ” أي: حسن منظر من كثرة أشجارها وتنوعها وحسن ثمارها، “مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا” لولا منة الله عليكم بإنزال المطر، “أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ” فعل هذه الأفعال حتى يعبد معه ويشرك به؟
“بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ” به غيره ويسوون به سواه مع علمهم أنه وحده خالق العالم العلوي والسفلي ومنزل الرزق” تيسير الكريم الرحمان.
قال الشاعر:
تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آيات ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزيرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك.